أشياء أخر بها تتم الحواس لا يكون إلا بعمد وتقدير من لطيف خبير؟ (1) 3540. الإمام الصادق (عليه السلام) - في بيان مراحل كمال الطفل -: لو كان المولود يولد فهما عاقلا لأنكر العالم عند ولادته، ولبقي حيران تائه العقل إذا رأى ما لم يعرف وورد عليه ما لم ير مثله من اختلاف صور العالم من البهائم والطير إلى غير ذلك مما يشاهده ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم، واعتبر ذلك بأن من سبي من بلد إلى بلد وهو عاقل يكون كالواله الحيران، فلا يسرع في تعلم الكلام وقبول الأدب كما يسرع الذي يسبى صغيرا غير عاقل.
ثم لو ولد عاقلا كان يجد غضاضة (2) إذا رأى نفسه محمولا مرضعا معصبا بالخرق مسجى في المهد؛ لانه لا يستغني عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حين يولد، ثم كان لا يوجد له من الحلاوة والوقع من القلوب ما يوجد للطفل، فصار يخرج إلى الدنيا غبيا غافلا عما فيه أهله فيلقى الأشياء بذهن ضعيف ومعرفة ناقصة، ثم لا يزال يتزايد في المعرفة قليلا قليلا وشيئا بعد شيء وحالا بعد حال حتى يألف الأشياء ويتمرن ويستمر عليها، فيخرج من حد التأمل لها والحيرة فيها إلى التصرف والاضطراب إلى المعاش بعقله وحيلته، وإلى الاعتبار والطاعة والسهو والغفلة والمعصية.
وفي هذا أيضا وجوه أخر؛ فإنه لو كان يولد تام العقل مستقلا بنفسه لذهب موضع حلاوة تربية الأولاد، وما قدر أن يكون للوالدين في الاشتغال بالولد من المصلحة وما يوجب التربية للآباء على الأبناء من المكلفات بالبر والعطف عليهم عند حاجتهم إلى ذلك منهم، ثم كان الأولاد لا يألفون آباءهم، ولا يألف الآباء أبناءهم؛ لان الأولاد كانوا يستغنون عن تربية