شرف التقديم لكتابه، على الرغم من تلك الاعتبارات التي أشرت إليها، والتي أرجو أن تكون موضع اعتبار أيضا عند قراءة الكتاب.
وأول ما أحب أن ألفت النظر إليه هو: أن هذا الكتاب، يعد نمطا فريدا في التراجم الذاتية للأعلام، إذ أن من المعتاد أن يعمد المتوفرون على التأليف في هذا الباب أن يرجعوا إلى مصادر تاريخية، حملت - قليلا أو كثيرا - من آثار هؤلاء الأعلام، الذين يجعلونهم موضوعا لدراستهم ثم يجمعون الأحداث والوقائع التي جرت لهم في مسيرة حياتهم، ويؤلفون بينها، ويرسمون منها صورة لتلك الشخصية، يؤلونها بما أثارت تلك الأحداث وهذه الوقائع في نفوسهم من مشاعر الإعجاب بهم، أو النقد لهم، أو الرضا عنهم والسخط عليهم.. إلى غير ذلك من المشاعر التي تعجب القارئ لتاريخ الأعلام، وملابساتهم لأحداث عصرهم، ومشاركتهم فيها، ومواقفهم منها.
هذا، ما يغلب على كتب التراجم، حيث تستمد مادتها من التاريخ - البعيد أو القريب - وترسم شخصيتها من مخلفات الماضين وآثارهم بعد أن يكون الزمن عبث بها وغير كثيرا من معالمها، أو ذهب بالكثير من حقائقها فضلا عما يدخل على التاريخ - عن عمد - من أباطيل ومفتريات، تغيب في ضبابها الحقيقة المنشودة.
أما الشخصيات التي ترجم لها المؤلف في هذا الكتاب، فهي شخصيات عرفها المؤلف عن قرب، وعايشها معايشة صداقة وألفة امتدت سنين كثيرة، وقد تخيرها المؤلف من بين الكثيرين من علماء مصر ومفكريها بعد أن التقى بهم لقاءات فكرية متعددة فيما قرأ لهم من مؤلفات، أو فيما استمع لهم من أحاديث عن طريق الإذاعة، أو المحاضرات في الأندية والمجاميع العلمية، ثم رأى أنهم أقرب العلماء والمفكرين إلى ثقافته. وإلى ما يدور في عقله من خواطر وآراء، فحمله ذلك على أن يلقاهم من قريب، وأن يتصل بهم اتصالا شخصيا، فيستمع إليهم ويسمعهم، ويلتقي معهم