وجوه الفعلية يلزم النقص في فاعليته تعالى، فيتركب ذاته تعالى من حيثيتي الوجدان والفقدان، فيكون ممكنا بالذات.
فمقتضى القاعدة: أنه سبحانه واحد لا يعتريه نقص ولا فتور في فاعليته، ولا إمساك في فيضه، ولا بخل في إحسانه، ولا انقطاع في عطائه، ولا توقف على سنوح إرادة أو قصد إلى تحصيل مصلحة له أو لغيره. وما إلى ذلك مما يستكمل به فاعليته، فيجب كونه فياضا لم يزل ولا يزال باسط اليدين بالعطية والرحمة في الآباد والآزال.
ومما ذكرنا تنبهت: أن وجوب دوام فيضه وامتناع إمساكه كلاهما باختياره، لأنه من البين أنه تعالى قادر مختار، فدوام فيضه بقدرته واختياره، فيكون وجوب الإفاضة ناشئا من اختياره تعالى، ويستلزم ذلك طبعا امتناع المقابل بنفس هذا الاختيار، فإن من المبرهن أن أحد النقيضين ليس يصح أن يجب إلا إذا امتنع النقيض الآخر بجميع أنحائه.
فامتناع إمساك الفيض منه تعالى يكون بقدرته واختياره، كما أن صدور القبيح والظلم منه تعالى ممكنا بالذات، إلا أنه ممتنع منه تعالى باختياره، لما ثبت أنه سبحانه بذاته المقدسة علة لما سواه على النظام الأحسن وجوبا ولزوما بإرادته واختياره، فيكون صدور النظام على غير ذلك الوجه ممتنعا بنفس هذا الاختيار.
فصدور القبيح - ومنه الظلم - مع قدرته تعالى عليه ممتنع باختياره، ومن النظام الأحسن الواجب الصدور إفاضة الفيض على المحال تام القابلية.
ثم يجب أن يعلم: أنه كما يجب الإفاضة على المواد تام الاستعداد ويمتنع الإمساك، كذلك يجب إفاضة الفيض الوجودي بقدر الاستعدادات، لما ثبت في محله من لزوم التناسب بين الصورة والمادة، وأنه تعالى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها.