وأما البحث الثاني، وهو أن أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميين للإنسان، ومعه ولولا يكون أحدهما اختياريا كسبيا للإنسان وهو الجبر الباطل.
والجواب عنه، أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء، فيرجع الإشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حق الإنسان قبل أن يخلق، وإن ذلك يستلزم الجبر. وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة في المجلد الأول من الكتاب ص 150، وحاصل الجواب: أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد فهو فعل اختياري في عين أنه حتمي الوقوع، ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره، حتى يلزم منه بطلان الاختيار. وأما شرح ما تشمل عليه هذه الأخبار تفصيلا فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر، فليرجع فيه إلى مطولات الشروح والتعاليق والله الهادي. (الطباطبائي) انتهى.
ونختم بالقول: إن مسألة وجود الإنسان في عوالم قبل عالم الأرض، أوسع مما بحثه المتكلون والفلاسفة، وهي تحتاج إلى تتبع كامل وبحث دقيق في أحاديثها الشريفة، للتوصل إلى عدد تلك العوالم وصفاتها، ولا يبعد أنها تحل كثيرا من المشكلات، ومنها مشكلة الجبر والاختيار، وقد تبين من مجموعها أن أخذ الميثاق تم من الذر المأخوذ من طين آدم كما في بعضها، وفي عالم الظلال كما في بعضها، ومن المحتمل أنه حصل في أكثر من عالم.
كما ولولا يصح استبعاد أن تكون الذرة إنسانا كاملا عاقلا بعد ما سمعنا عن عالم الذرة والجينات.
ولا يصح القول بأن عالم الذر هو عالم الملكوت وإن كان جزء من عالم الملكوت إلا من باب تسمية الجزء باسم الكل. والملكوت كما رأيت في آياته وأحاديثه شامل لعوالم الشهادة والغيب، والبعد عن الله تعالى والحضور، وعالم الذر أو الظلال واحد من عوالم الحضور.