أهلها، وهو إفعال من الأمن، بمعنى سكون النفس واطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف لها، وحينئذ فكان حقيقة آمن به سكنت نفسه واطمأنت بسبب قبول قوله وامتثال أمره، فتكون الباء للسببية. ويحتمل أن يكون بمعنى آمنه التكذيب والمخالفة، كما ذكره بعضهم فتكون الباء فيه زائدة، والأول أولى كما ولولا يخفى وأوفق لمعنى التصديق، وهو يتعدى باللام كقوله تعالى: وما أنت بمؤمن لنا، فآمن له لوط.
وبالباء كقوله تعالى: آمنا بما أنزلت.
وأما التصديق: فقد قيل أنه القبول والإذعان بالقلب، كما ذكره أهل الميزان.
ويمكن أن يقال: معناه قبول الخبر أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان، ويدل عليه قوله تعالى: قالت الأعراب آمنا. فأخبروا عن أنفسهم بالإيمان وهم من أهل اللسان، مع أن الواقع منهم هو الاعتراف باللسان دون الجنان، لنفيه عنهم بقوله تعالى: قل لم تؤمنوا. وإثبات الاعتراف بقوله تعالى: ولكن قولوا أسلمنا، الدال على كونه إقرارا بالشهادتين، وقد سموه إيمانا بحسب عرفهم، والذي نفاه الله عنهم إنما هو الإيمان في عرف الشرع.
إن قلت: يحتمل أن يكون ما ادعوه من الإيمان هو الشرعي، حيث سمعوا الشارع كلفهم بالإيمان، فيكون المنفي عنهم هو ما ادعوا ثبوته لهم، فلم يبق في الآية دلالة على أنهم أرادوا اللغوي.
قلت: الظاهر أنه في ذلك الوقت لم تكن الحقائق الشرعية متقررة عندهم، لبعدهم عن مدارك الشرعيات، فلا يكون المخبر عنه إلا ما يسمونه إيمانا عندهم.
وقوله تعالى: آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وقوله تعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين.
وجه الدلالة في هذه الآيات أن الإيمان في اللغة التصديق، وقد وقع في الإخبار عنهم أنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، فيلزم صحة إطلاق التصديق على الإقرار باللسان وإن لم يوافقه الجنان. وعلى هذا فيكون المنفي هو الإيمان الشرعي أعني