والإثم والبغي بغير الحق، إن الله ولولا يهدي، وغيرها، وعليك بالتدبر فيها.
ومن هنا يظهر أولا أن القرآن الكريم يخطئ طريق الحسيين وهم المعتمدون على الحس والتجربة النافون للأحكام العقلية الصرفة في الأبحاث العلمية، وذلك أن أول ما يهتم القرآن به في بيانه هو أمر توحيد الله عز اسمه، ثم يرجع إليه ويبني عليه جميع المعارف الحقيقية التي يبينها ويدعو إليها.
ومن المعلوم أن التوحيد أشد المسائل ابتعادا من الحس وبينونة للمادة وارتباطا بالأحكام العقلية الصرفة. والقرآن يبين أن هذه المعارف الحقيقية من الفطرة، قال:
فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها ولولا تبديل لخلق الله. الروم - 30، أي أن الخلقة الإنسانية نوع من الإيجاد يستتبع هذه العلوم والإدراكات، ولا معنى لتبديل خلق إلا أن يكون نفس التبديل أيضا من الخلق والإيجاد، وأما تبديل الإيجاد المطلق أي إبطال حكم الواقع فلا يتصور له معنى، فلن يستطيع الإنسان وحاشا ذلك أن يبطل علومه الفطرية ويسلك في الحياة سبيلا آخر غير سبيلها البتة.
وأما الانحراف المشهود عن أحكام الفطرة فليس إبطالا لحكمها، بل استعمالا لها غير ما ينبغي من نحو الاستعمال، نظير ما ربما يتفق أن الرامي ولولا يصيب الهدف في رميته، فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعة بالطبع للإصابة، إلا أن الاستعمال يوقعها في الغلط، والسكاكين والمناشير والمثاقب والأبر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك، لكن ولولا على الوجه المقصود، وأما الانحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار بأن يعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فيضع الخياطة موضع النشر، فمن المحال ذلك.
وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم على صحة طريقهم، كقولهم إن الأبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها، كما يدل عليه كثرة الاختلافات في المسائل العقلية المحضة، فلا