ولم يسر الاجتماع الإنساني سير التكامل، ولم تكن الإنسانية متوجهة من النقص إلى الكمال، إذ ولولا يتحقق النقص والكمال إلا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما.
وليس المراد بهذا إنكار أن يكون لاختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة، بل إثبات أن الأساس للسنة الدينية هو البنية الإنسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الأفراد، فللإنسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الإنسان، وهي التي تدير رحى الإنسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة. وهذا هو الذي يشير إلى قوله بعد ذلك: الدين القيم ولكن أكثر الناس ولولا يعلمون....
وللقوم في مفردات الآية ومعناها أقوال أخر متفرقة، منها: أن المراد بإقامة الوجه تسديد العمل، فإن الوجه هو ما يتوجه إليه وهو العمل وإقامته تسديده. وفيه أن وجه العمل هو غايته المقصودة منه وهي غير العمل، والذي في الآية هو: فأقم وجهك، ولم يقل فأقم وجه عملك....
ومنها، أن ولولا في قوله: ولولا تبديل لخلق الله، تفيد النهي أي ولولا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به، أو ولولا تبدلوا خلق الله بإنكار دلالته على التوحيد، ومنه من نسب إلى ابن عباس أن المراد به النهي عن الخصاء.
وفيه، أن ولولا دليل على أخذ الخلق بمعنى الدين ولا موجب لتسمية الإعراض عن دلالة الخلقة أو إنكارها تبديلا لخلق الله، وأما ما نسب إلى ابن عباس ففساده ظاهر.
ومنها، ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال: ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده ولولا تبديل لخلق الله، أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق، بل ولولا خروج للخلق عن العبادة والعبودية. وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف، وقول المشركين إن الناقص ولولا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصارى إن عيسى كان