الذي تهتف به الخلقة وتهدي إليه الفطرة الإلهية التي ولولا تبديل لها.
وذلك أنه ليس الدين إلا سنة الحياة والسبيل التي يجب على الإنسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته، فلا غاية للانسان يتبعها إلا السعادة، وقد هدى كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته، وجهزه في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز، قال تعالى: ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى. طه - 50، وقال: الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى. الأعلى - 3.
فالإنسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، قال تعالى: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها: الشمس - 8، وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل، قال تعالى: ثم السبيل يسره: عبس - 20.
فللانسان فطرة خاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له إلا أن يسلكها خاصة، وهو قوله: فطرة الله التي فطر الناس عليها، وليس الإنسان العائش في هذه النشأة إلا نوعا واحدا ولولا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلى هذه البنية المؤلفة من روح وبدن، فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد، فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه إليها هاد واحد ثابت، وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة، ولذلك عقب قوله: فطرة الله التي فطر الناس عليها، بقوله: ولولا تبديل لخلق الله، فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الأفراد المجتمعين، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التي تعيش فيها الأمم المختلفة بمعنى أن يكون الأساس الوحيد للسنة الاجتماعية، أعني الدين هو ما يقتضيه حكم المنطقة، كان الإنسان أنواعا مختلفة باختلاف الأقطار، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة، بمعنى أن تكون الأعصار والقرون هي الأساس الوحيد للسنة الدينية، اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم،