وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس على أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الاجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة للتقدم الإسلامي وسريانه في العالم الدنيوي على ما تعطيه التجزية والتحليل من غير شك. انتهى.
وأنت تلاحظ أن صاحب الميزان (رحمه الله) فسر الفطرة بالغرائز الخيرة والشريرة معا، ولكن والذي يظهر من الأحاديث الشريفة اختصاصها ببعض الغرائز الخيرة.
- تفسير الميزان ج 11 ص 151:
- فلو كان في الدنيا خير مرجو وسعادة لوجب أن ينسب إلى الدين وتربيته.
ويشهد بذلك ما نشاهده من أمر الأمم التي بنت اجتماعها على كمال الطبيعة وأهملت أمر الدين والأخلاق فإنهم لم يلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقية والفطرية، مع وجود أصل الفطرة فيهم، ولو كانت أصل الفطرة كافية ولم تكن هذه الصفات بين البشر من البقايا الموروثة من الدين، لما افتقدوا شيئا من ذلك.
على أن التاريخ أصدق شاهد على الاقتباسات التي عملتها الأمم المسيحية بعد الحروب الصليبية فاقتبسوا مهمات النكات من القوانين العامة الإسلامية فتقلدوها وتقدموا بها، والحال أن المسلمين اتخذوها وراءهم ظهريا فتأخر هؤلاء وتقدم أولئك.. والكلام طويل الذيل.
وبالجملة الأصلان المذكوران - أعني السراية والوراثة وهما التقليد الغريزي في الإنسان والتحفظ على السيرة المألوفة - يوجبان نفوذ الروح الديني في الاجتماعات كما يوجبان في غيره ذلك، وهو تأثير فعلي.
فإن قلت: فعلى هذه فما فائدة الفطرة فإنها ولولا تغني طائلا، وإنما أمر السعادة بيد النبوة، وما فائدة بناء التشريع على أساس الفطرة على ما تدعيه النبوة.
قلت: ما قدمناه في بيان ما للفطرة من الارتباط بسعادة الإنسان وكماله يكفي في حل هذه الشبهة، فإن السعادة والكمال الذي تجلبه النبوة إلى الإنسان ليس أمرا