نحن إلى الآن لم نلتفت إلى محك إنسانيتنا وميزانها ما هو؟ فنحن نرضى ونغضب لذواتنا ومكانتنا الاجتماعية، ولا أقول إن رضانا وغضبنا لحاجاتنا البدنية!
فلينظر أحدنا إلى نفسه عندما يتركه شخص كان يثق به ويعتقد به، هل ينقبض ويحزن؟ فهو إذن ذئب، ولم يصر إنسانا!
إن عمامة أحدنا لا تمنع أن يكون ما تحتها ذئب!
فلن يصير أحدنا إنسانا إلا إذا صار منشأ غضبه ورضاه العقل، وليس الغريزة!
وإذا رأينا في حياتنا أن رضانا أو غضبنا نشأ ذات مرة من العقل، فقد صار أحدنا ذات مرة إنسانا! فإن عدنا إلى الرضا والغضب للبطن أو الفرج، فنحن من تلك الحيوانات، غاية الأمر أننا على شكل الناس!
أما الإنسان العقلاني فهو الذي يرضى دائما لرضا العقل، ويغضب لغضب العقل!
فإن كنت تعرف شخصا على وجه الكرة الأرضية بلغ في شخصيته هذه الدرجة فدلني عليه حتى أذهب اليه وأقبل يده، بل أقبل غبار قدميه!
وإن فوق هذه المرتبة مقاما يمكن أن يبلغه الإنسان، حيث تصير إرادته فانية في إرادة الله تعالى، فلا يكون له مع إرادة ربه إرادة! وهي درجة تجعله في كل أموره يرضى لرضا الله ويغضب لغضب ربه! يعني لو قتلوا ابنه فهو يغضب لغضب الرب وليس لنفسه، ولو أحيوا ابنه فهو يرضى لرضا الرب، وليس لنفسه!
إن تصور هذا المستوى أمر صعب، فكيف بتحققه؟!