وهذا هو مقام عصمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله، عصمة ذلك المخلوق الذي لا نظير لوجوده في جميع المخلوقات، الذي ذاب حبه وبغضه وفني في حب الله وبغضه! فلا يحب إلا ما يحبه الله، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله تعالى!
وهذا هو البشر الذي وصل إلى درجة: وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى. (سورة النجم: 3 - 4) وهذه المرحلة والدرجة هي التي يعبر عنها بالعصمة الخاتمية وهي غير العصمة الإبراهيمية، والعصمة الإبراهيمية غير العصمة اليونسية.
إن عصمة يونس عليه السلام عصمة، لكن فيها: وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. (سورة الأنبياء: 87)، إنه نبي معصوم ولكن في حياته نقاطا يحتاج أن يصل منها إلى درجة: سبحانك إني كنت من الظالمين. وقبل بطن الحوت لم يصل إليها!
ونبي الله يوسف نبي معصوم، وبرهان ربه الذي رآه هو عصمته: ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين. (سورة يوسف: 24)، لكنها عصمة بمستوى: وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين. (سورة يوسف: 42)، أما التسليم المطلق لحب الله وبغضه ورضاه وغضبه، فهو مقام خاص بأفضل الخلق وخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله، ففي هذا المقام نستطيع أن نقول إنه يرضى لرضا الله ويغضب لغضبه مطلقا، وأن الله تعالى يرى لرضاه ويغضب لغضبه!
فهل فهم البخاري والذهبي ما روياه عن خير الخلق وصححاه: إن الرب يرضا لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة؟! وهل فهما أن النبي صلى الله عليه وآله لو قال: إن فاطمة ترضى لرضا الرب وتغضب لغضبه، فقط، لدل ذلك على أن رضاها