بسبب العلم، وهذا كناية عن كونها في بدو فطرتها عالمة بالعلوم الربانية.
وقال المولى محمد علي الأنصاري (رحمه الله): وقد تلخص منها (أي الأخبار) وجوه متعددة لتسميتها (عليها السلام) بتلك التسمية: مثل فطم نفسها بالعلم، وفطمها عن الشر، وفطمها عن الطمث، وفطم ذريتها وشيعتها من النار، وكذلك فطم من تولاها وأحبها منها، وفطم الأعداء عن طمع الوراثة في الملك، وعن حبها، ونحو ذلك. ولا منافاة بين الأخبار، لأن الفطم معنى يصدق مع كل من الوجوه المذكورة، واختلاف الأخبار من جهة اختلاف حال الرواة والحضار من حيث الاستعداد الذاتية، واختلاف المصالح في الأزمنة والأمكنة، وكل هذه المعاني مرادة من اللفظ عند التسمية، ولا يلزم من ذلك استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد، الذي هو مخالف للقواعد الظاهرية اللفظية، لأن فاطمة مشتق من الفطم بمعنى الفصل، ومنه الفطام في الطفل بمعنى فصله عن اللبن والارتضاع، يقال: فطمت المرضع الرضيع فطما، من باب ضرب، فصلته عن الرضاع، فهي فاطمة، والصغير فطم بمعنى المفطوم. وأفطم الرجل: دخل في وقت الفطام، مثل أحصد الزرع، إذا حان حصاده. وفطمت الحبل: قطعته. وفطمت الرجل عن عادته: إذا منعته عنها. وليس الفطم مخصوصا بالفصل عن اللبن وإن كثر استعماله فيه، بل هو مطلق الفصل عن الشئ، ومعنى القطع والمنع راجع إليه أو متفرع منه، فيكون معنى " فاطمة " فاصلة أو قاطعة أو مانعة، وكل منها معنى كلي وماهية مطلقة يصدق مع القيود الكثيرة، فسميت من عند الله بها.
ويلزم في تحقق معنى الفصل أن يكون هناك فاصل ومفصول له، مثلا إذا كانت الأم فاطمة لطفلها، فهي فاصلة، والطفل مفصول، واللبن مفصول عنه، والغذاء مفصول به.
فيكون معنى فاطمة أنها تفطم نفسها ولو بسبب قابليتها الذاتية عن الجهل بالعلم، وعن الشر بالخير، وعن الطمث بالطهارة عن الحمرة، وتفطم ذريتها وشيعتها ومن توليها وأحبها من النار بالجنة، وتفطم أعداءها عن طمع الوراثة باليأس عنها، وعن حبها ببغضها. فلوحظ في وجه تسميتها بهذا الاسم وجوه متعددة وهي غير داخلة في مفهوم الاسم حتى توجب تعدد معاني اللفظ، بل هي لحاظات خارجية باعتبارها وقعت التسمية.