يسكب عليها بالمحن، فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك الدم ". ونقل أبي نعيم في (حلية الأولياء) عن أبي ثعلبة أنه قال: " قدم رسول الله من غزاة له، فدخل المسجد فصلى فيه ركعتين، ثم خرج فأتى فاطمة (عليها السلام) فبدأ بها قبل بيوت أزواجه، فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وجعلت تقبل عينيه ووجهه وتبكي " والأعجب من ذلك أن فاطمة (عليها السلام) كانت تهئ لأبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) السلاح في المعركة التي جرت في اليوم القادم. وفي معركة الخندق تقبل على أبيها بأقراص من الخبز معدودة بعد أن بقي أياما بلا طعام، فجاء في ذخائر العقبى: " روي عن علي (عليه السلام) في حفر الخندق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن فاطمة (عليها السلام) جاءت إليه بكسرة من خبز فرفعتها إليه فقال: ما هذه يا فاطمة؟ قالت: من قرص اختبزته لابنتي جئتك منه بهذه الكسرة. فقال: يا بنية أما أنها لأول طعام دخل في فم أبيك منذ ثلاث ".
وفي الفتح المبين نرى الزهراء (عليها السلام) تضرب لأبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) خيمة وتهئ له طعاما ليستحم ويغتسل حتى يزول عن جسده المبارك غبار الطريق، ويرتدي ثيابا نظيفة يخرج بها إلى المسجد الحرام. ومن موقع الأمومة وكونها زوجة وفية مخلصة لعلي (عليه السلام) نرى أنها (عليها السلام) زهدت في الدنيا وترفعت عن الدنيا، ولم يكن لها من هم إلا تحمل المسؤولية الإلهية بجدارة واستحقاق وتجسيد الصفات الإلهية كأمثل ما يكون. فيروى أن عليا (عليه السلام) قد اشترى لها عقدا (عليها السلام) من أموال الفئ، وتقلدته الزهراء (عليها السلام) وتقبلت هذه الهدية من زوجها بسرور، وبينما هي متقلدة ذلك وإذا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي لزيارتها، فسلمت عليه وسلم عليها، إلا أنها وعلى غير المعتاد رأت مسحة من الحزن يقولون ابنة محمد تلبس لباس الجبابرة، ويوصيها أن تذخر ذلك لآخرتها لتكون أسوة في الزهد ومثالا للإيثار والقناعة، فتنزع الزهراء (عليها السلام) ذلك العقد وتتصدق بثمنه في سبيل الله وهي مليئة بالرضا والقناعة. ويروى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخل يوما على فاطمة (عليها السلام) فيراها قد علقت سترا على أحد الأبواب لتزين الدار، فيتألم رسول الله (عليها السلام) لذلك ويقول لابنته: " أني لا أحب أن يأكل أهل بيتي طيباتهم في حياتهم الدنيا ".
فتبادر الزهراء (عليها السلام) من حينها للقيام ونزع الستر ممتثلة أوامر أبيها، ومن أورع أمثلة