هم وصية الله في الأولين والآخرين، والأرحام الذي أقسمكم الله بها إذ يقول (واتقوا الله الذي تسألون به الأرحام إن الله كان بكم رقيبا) ثم ندبكم إلى حبهم فقال:
(قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى). هم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم من النجس،، الصادقون إذا نطقوا، العالمون إذا سئلوا، الحافظون لما استودعوا. أجمعت فيهم الجلال العرش (١ لم يجمع إلا في عترتي وأهل بيتي الحلم والعلم والنبوة واللب والسماحة والشجاعة والصدق والطهارة والعفاف والحكم لهم في كلمة التقوى وسبل الهدى والحجة العظمى والعروة الوثقى، هم أوليائكم عن قول ربكم وعن قول ربي ما أمرتكم.
ألا من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه واخذل من خذله وانصر من نصره. أوحى إلي ربي ثلاثة: أنه سيد المسلمين، وإمام خيرة المتقين، وقائد الغر المحجلين. وقد بلغت عن ربي ما أمرت، وأستودعهم الله فيكم واستغفر الله لي ولكم.
قال حافظ أبو عبد اللهمحمد بن يوسف القرشي الكنجي الشافعي المقتول سنة ٦٥٨ في (كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب) ص ٦٤ بعد نقل حديث الغدير:
قلت: هذا حديث مشهور حسن روته الثقات، وانضمام هذه الأسانيد بعضها إلى بعض حجة على صحة النقل، ولو لم يكن في محبة علي عليه السلام الادعاء النبي صلى الله عليه وسلم لمحب علي بكل خير لكان فيه كفاية لمن وفقه الله عز وجل، فكيف وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل بموالاة من والاه وبمحبة من أحبه وبنصر من نصره.
وعلى وفق النص قال حسان بن ثابت في المعنى:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم فأسمع بالرسول مناديا فقال فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا إلهك مولانا وأنت نبينا * ولم تلق منا في الولاية عاصيا فقال له: قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * وكن للذي عادى عليا معاديا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا حسان لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نافحت عنا بلسانك.
وقال السيد الحميري عليه الرحمة في المعنى:
يا بايع الدين بدنياه * ليس بهذا أمر الله من أين أبغضت علي الرضي * وأحمد قد كان يرضاه من الذي أحمد من بينهم * يوم غدير الخم ناداه أقامه من بين أصحابه * وهم حواليه فسماه هذا علي بن أبي طالب * مولى لمن قد كنت مولاه فوال من والاه يا ذا العلا * وعاد من قد كان عاداه وقال من قصيدة في معناه:
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد * ولا عهد يوم الغدير مؤكدا فإني كمن يشتري الضلالة بالهدى * تنصر من بعد التقى أو تهودا وما لي وتيما أو عديا وإنما * أولو نعمتي في الله من آل أحمدا تتم صلاتي بالصلاة عليهم * وليست صلاتي بعد أن أتشهدا بكاملة إن لم أصل عليهم * وأدع لهم ربا كريما ممجدا وقال العلامة الحافظ الشيخ يوسف بن قزأوغلي بن عبد الله المعروف بسبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 في كتاب (تذكرة الخواص) ص 30 ط النجف:
اتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرين ألفا وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه - الحديث نص صلى الله عليه وسلم على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة.
وذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بأسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهري، فأتاه على ناقة له فأناخها على باب المسجد ثم عقلها وجاء فدخل في المسجد فجثا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله فقبلنا منك ذلك، وإنك أمرتنا أن نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم شهر رمضان ونحج البيت ونزكي أموالنا فقبلنا منك وذلك، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فهذا شئ منك أو من الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وقد احمرت عيناه..: والله الذي لا إله إلا هو إنه من الله وليس مني (قالها ثلاثا)، فقام الحارث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل من السماء علينا حجارة أو ائتنا بعذاب أليم. قال: فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله من السماء بحجر فوقع على هامته فخرج من دبره ومات، وأنزل الله تعالى:
(سأل سائل بعذاب واقع * للكافرين ليس له دافع).
فأما قوله (من كنت مولاه) فقال علماء العربية لفظة (المولى) ترد على وجوه:
أحدها: بمعنى المالك، ومنه قوله تعالى (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر شئ وهو كل على مولاه) أي على مالك رقه.
والثاني: بمعنى المولى المعتق بكسر التاء.
والثالث: بمعنى المعتق بفتح التاء.
والرابع: بمعنى الناصر، ومنه قوله تعالى (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وإن الكافرين لا مولى لهم) أي لا ناصر لهم.
والخامس: بمعنى ابن العم، قال الشاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا * لا تنبشوا بنينا ما كان مدفونا وقال آخر هم الموالي حتفوا علينا * وإنا من لقائهم لزور وحكى صاحب الصحاح عن أبي عبيدة إن قائل هذا البيت عني بالموالي بني العم، قال: وهو كقوله تعالى (ثم يخرجكم طفلا).
والسادس: الحليف، قال الشاعر:
موالي حلف لا موالي قرابة * ولكن قطينا يسألون الاتاويا يقول: هم حلفاء لا أبناء عم، قال في الصحاح: وأما قول الفرزدق:
ولو كان عبد الله مولى هجوته * ولكن عبد الله مولى المواليا فلأن عبد الله بن أبي إسحاق مولى الحضرميين، وهم حلفاء بني عبد شمس ابن عبد مناف، والحليف عند العرب مولى، وإنما نصب (المواليا) لأنه رده إلى أصله للضرورة، وإنما لم ينون مولى لأنه جعله بمنزلة غير المعتل الذي لا ينصرف والسابع: المتولي لضمان الجريرة وحيازة الميراث، وكان ذلك في الجاهلية ثم نسخ بآية المواريث.
والثامن: الجار، وإنما سمي به لماله من الحقوق بالمجاورة.
والتاسع: السيد المطاع، وهو المولى المطلق، قال في الصحاح: كل من ولي أمر أحد فهو وليه.
والعاشر: بمعنى الأولى، قال الله تعالى (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأويكم النار هي موليكم) أي أولى بكم.