الشيعة في الميزان - محمد جواد مغنية - الصفحة ٩٧
الإسلامية، وقوة المسلمين فحسب (1) وإنما يستند أولا وقبل كل شئ إلى مبادئه الإنسانية، وشريعته السهلة السمحة، ولولاها لم يكتب له النجاح والبقاء، حتى اليوم، وإلى آخر يوم، وكذلك مبدأ التشيع فإنه مدين في نجاحه واستمراره إلى كتاب الله وسنة الرسول، لا إلى هيئة من الهيئات، أو فرد من الأفراد، فمن دعا إليه تسلح بكتاب الله وسنة نبيه، ومن اعتنقه اعتنقه طاعة لله ورسوله.
ومن هنا اعتمد دعاة التشيع أول ما اعتمدوا على ما جاء في كتاب الله سبحانه بحق علي خاصة، كقوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون - 55 المائدة " وغيرها من الآيات التي بحق علي خاصة، كقوله تعالى " إنما وليكم الله ورسوله الذين آمنوا الذين يقيمون ويأتون الزكاة وهم راكعون - 58 المائدة " وغيرها من الآيات التي ذكرناها في كتاب " علي والقرآن "، واعتمدوا على ما نزل في أهل البيت عامة، كآية التطهير، وآية المودة، وآية المباهلة، وعلى الأحاديث النبوية، كحديث الغدير، وحديث المنزلة، وحديث مدينة العلم، وحديث المؤاخاة، وما إليه، وإذا تعدوا الآيات والأحاديث فإلى فضائل الإمام، كزهده، وعلمه، وشجاعته، وسبقه إلى الإسلام، وجهاده، وتصلبه في جانب الله.
وكانت مظاهر التشيع في هذا الدور غاية في الوضوح، غاية في البساطة، فلا عيد غدير، ولا شهادة أن عليا ولي الله في الأذان، لا شئ سوى الإيمان بأن الخلافة بعد الرسول حق إلهي لعلي بن أبي طالب، وكان أول من أعلن هذا الحق ودعا إليه السيدة فاطمة أم الحسنين أعلنته في خطبتها الأولى بالمسجد الجامع، وفي خطبتها الثانية ببيتها على نساء المهاجرين والأنصار، وقد أبنا ذلك في كتاب مع " بطلة " كربلاء، وقلنا: إن الغاية الأولى من كلتا الخطبتين أن تعلن للأجيال حق بعلها في خلافة أبيها، وإن المطالبة بفدك كانت وسيلة لهذه الغاية.

(1) لم تكن الغاية من تلك الفتوحات التبشير بالاسلام، والدعوة إلى الله - فيما نعتقد - وإنما كانت من أجل سيطرة المسلمين، وامتداد سلطانهم وإيجاد أرض يعيشون فيها أغنى من أرضهم، وتربة أخصب من تربتهم. ولكن عظمة الإسلام بشرت بنفسها لنفسها في جميع أدوار التاريخ، بخاصة في هذا العصر الذي ينهش المسلمون بعضهم بعضا، وبصورة أخص حكامهم الذين أعانوا قوى الشر والعدوان عليهم وعلى دينهم وبلادهم، ولولا ما في الإسلام من قوة ومناعة لكان المنتمون إليه من أقوى عوامل القضاء عليه.
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»
الفهرست