أشياء لا أصل لها ولا أساس، ثم أعلنها على أنها عين الحق والواقع، ولست أعرف أحدا أجهل وأجرأ على الباطل ممن يكتب في موضوع ديني، ويعطي أحكاما قاطعة، قبل أن يرجع إلى كتاب الله وسنة الرسول، وقبل أن يبحث وينقب عن أقوال العلماء وآرائهم. إن العلم هو معرفة الشئ عن دليله، أما القول بالظن والتخرص، كما فعل الذين أنكروا وجود المهدي فجهالة وضلالة.
وبالتالي، فإن الإمامية لولا هذه الأحاديث التي أوردها أصحاب الصحاح لكانوا في غنى عن القول بالمهدي، وبكل ما يتصل به من قريب أو بعيد، ولكن ما العمل، وهم يتلون قوله تعالى " ما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ".
وبكلمة لقد أخبر النبي بالمهدي فوجب التصديق به، تماما كما وجب التصديق بمن سبق من الأنبياء، لأن القرآن الكريم أخبر عنهم.
ورب قائل: إن الأحاديث النبوية التي نقلتها عن صحاح السنة إنما دلت على خروج المهدي في آخر الزمان، دون أن تتعرض من قريب أو بعيد إلى وقت ولادته. إذن فمن الجائز أنه يولد في القرن الذي يخرج فيه، لا أنه قد ولد بالفعل وقبل خروجه بقرون، كما قال الإمامية.
الجواب:
إن القول بخروج المهدي وولادته، وكل ما يتصل به لا مستند له إلا الأحاديث النبوية، غاية الأمر أن خروجه في آخر الزمان ثبت بطريق السنة والإمامية، أما ولادته فقد ثبتت بطريق الإمامية فقط، وليس من الضروري لأن يؤمن المسلم بشئ أن يثبت بطريق الفريقين، وإنما الواجب أن يؤمن بما يثبت عنده، على شريطة أن لا يناهض إيمانه حكم العقل ويصادمه، وقد بينا أن بقاء المهدي حيا تماما كالخوارق التي حدثت لإبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء، لا تتنافى وشيئا مع حكم العقل بالإمكان، لأنها قد حدثت بالفعل، والدال على الوقوع دال على الإمكان بالضرورة.
هذا، وإن جماعة من كبار علماء السنة قالوا بمقالة الإمامية، وآمنوا بأن المهدي قد ولد، وأنه ما زال حيا، وقد ذكر السيد الأمين أسماءهم في الجزء الرابع من الأعيان، ونقل الثناء على علمهم والثقة بدينهم عن كثير من المصادر