ومضحيا إذا أقدم على الموت، وأي عاقل يتنازل عن حياته، ويرضى بجز الرأس، ورض الصدر والظهر، وذبح الأطفال، وسبي النساء إذا لم تكن العاقبة خيرا وأبقى... ولا شئ أفضل عاقبة من طاعة الله، والتضحية في سبيله، لهذا وحده أقدم الحسين على ما أقدم، ولم يتردد، ويبرر المعصية والأحجام بمنطق الشيطان، وتحريفه وتزييفه.
منطق إبليس قيل: إن إبليس التقى برسول الله (ص)، فقال له: يا محمد، إن الله قد وصفك بنبي الهداية، ووصفني بإمام الغواية، مع العلم بأن الأمر في يده، لأنه على كل شئ قدير، فلماذا لا يلجئ عباده إلى الهداية ما دام قد أرادها منهم؟.
لقد تجاهل إبليس اللعين أن الله يخلق الكون بما فيه على قاعدة " كن فيكون ".
فيستند الفعل إلى قدرته مباشرة، وإلى كلمته وحده لا شريك به، أما أفعال العباد، ومعاملة بعضهم مع بعض فإنه سبحانه لا يتدخل بها إلا على أساس الارشاد، والأمر والنهي تاركا للانسان حريته الكاملة، وقدرته المطلقة، ليتحمل وحده أعباء الجهاد والعمل، ومسؤولية الإهمال والكسل، ويتميز بذلك الخبيث من الطيب، وتظهر للعقول قيمتها، وللنفوس غرائزها.. ولو أن الله ألجأ عباده إلى الفعل إلجاء لانتقضت حكمة الخالق العليم، وتعطل العقل السليم، وبطل الشرع والتكليف، وكانت أفعال الإنسان تماما كالجريان في الماء، والثمرة على الشجرة...
وبكلمة إن الله سبحانه بالنسبة إلى الكون خالق ومبدع، وبالنسبة إلى عمل الإنسان هاد ومرشد، لا مبدل لكلماته، وهو الحكيم العليم.
وبهذا نجد تفسير قول الحسين (ع): إن الله شاء أن يراني قتيلا، وشاء أن يراهن سبايا... أي أمرني الله أن أجاهد ضر الظلم والفساد، ومعي النساء والأطفال، فامتثلت، وهو الحكم العليم بما يترتب على أمره. وعليه تكون الأوضاع الاجتماعية هي المسؤولة عن الشر، وليست الإرادة الإلهية، والمصلحون الطيبون عن الذين يضحون ويستميتون من أجل تغيير الأوضاع وتحويلها إلى الخير والصلاح.
كما فعل الحسين وأيضا بهذا يتبين الجواب عن قول من قال: لماذا سلط الله يزيد وجيشه على الحسين وأهله.. إن الله سبحانه لا يسلط، ولن يسلط الأشرار على