أما من يكتفي بقول: إنا لله، وإنا إليه راجعون تاركا الشر يسير على حاله بغية الحفاظ على مصالحه، أما هذا فإنه يؤكد، ولا ريب، ما يلصق به من تهم، ويذاع عنه من محاباة.
ونقول: إن للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر شروطا، وأولها الأمل بالقضاء على المنكر.
ونقول: ليست المسألة مسألة شرط ومشروط ولا مكلف وتكليف شرعي، وإنما المسألة في واقعها مسألة عداء للشر والباطل، وتحسس بالدين والخير، وعدم التحسس به، فمتى وجد هذا العداء، وهذا الاحساس طغت غريزة المغامرة على صاحبها غير ملتفت إلى الشروط والمشرط، ولا يستسلم إطلاقا، بل يموت من أجل الحق واقفا على قدميه بكبرياء وعناد وتحد... وكفى بهذا التحدي احتجاجا وخروجا على الباطل وأهله.
وغريبة الغرائب أن يدعي الواحد منا أنه على دين النبي، ثم يغضب لنفسه وقريبه وصديقه، ويصرخ باسم الله والدين صرخات أيوب المبتلى إذا مست أشياؤه، ولو من بعيد، ولا يغضب إذا انتهكت حرمات الله، وشريعة رسول الله... ولو كان بينه وبين الله علاقة وصلة لأثمر شجرها، وظهر أثرها.. كلا، إن الوهم هو الذي صور له هذه الصلة، وأضفى عليها صفة الوجود.. أما مجرد الركوع والسجود فما هو من دين النبي في شئ إذا لم ينظر المصلي إلى الباطل بعيني ثائر مغامر.
وكم من متعبد تكشف عنه القناع، وتبين، حين جد الجد، أن قطرة من دمه، وذرة من جاهه ومصلحته خير من ألف نبي ونبي... إن دين النبي عمل وجهاد وكفاح، إنه دماء وعيال وأرواح تبذل ثمنا للحق، تماما كما بذل الحسين...
أما من يدعي دين النبي غير مستعد لأن يترجم دعوه. ويثبتها بالافعال، والتضحية بمصالحه الشخصية من أجل هذا الدين فهو دعي زائف.
وبعد، فقد كان للإسلام دولة وسلطان حين كان يزيد وشهيد يمضي على دين النبي... أما اليوم فذل وهوان، حيث ألف يزيد، ولا شهيد واحد... بل ألوف العبيد تموت وتحيا على حب الدينار والدولار.