الاستعماري على الأرض المقدسة، وإخراج أهلها من ديارهم. ثم انتقلت من هذه المقارنة إلى استخراج العبرة والعظة من جهاد النبي (ص) والمسلمين في هجرتهم، وتدبير الخطط وإحكامها الذي بلغ بالمسلمين إلى أوج النصر على عدوهم، وتحطيم طغيانهم وعدوانه، وأوقف صناديد قريش الذين أخرجوا النبي من مكة، أوقفهم بين يديه أذلاء مستسلمين، يستمعون إليه وهو يقول لهم:
" ما تظنون أني فاعل بكم؟ " وقد يظن البعض أن الهدف الأول من هجرة النبي والمسلمين هو مجرد الهروب بدينهم من المشركين الذين تعرضوا للمسلمين بالأذى، ومنعوهم من ممارسة الشعائر والأعمال الدينية، تماما كما يلتجئ العابد الزاهد إلى المسجد ليقيم فيه صلاته بعيدا عن الضوضاء والغوغاء... كلا، لقد كانت هجرة المسلمين أبعد وأعمق من ذلك... والدليل ما حققته من نتائج وأهداف لقد كانت هجرة الرسول - بالإضافة إلى الهروب بالدين - خطة مرسومة ومدبرة تمهيدا للمعركة الفاصلة، تماما كانسحاب الجيش من ميدان القتال إلى موقع آخر من مواقعه للهجوم المعاكس والانقضاض على العدو بضربة قاضية لا تقوم له بعدها قائمة.
وبعد أن وصل النبي إلى المدينة آخى بين أصحابه وجمع القلوب المتخاصمة، وأذاب ما فيها من عصبية وأحقاد، وحين تم له ذلك بدأ يرغب المسلمين في الجهاد، ويحثهم على الدفاع عن كيانهم وعقيدتهم، ويضمن الجنة لمن يقتل في سبيل الله، والعزة والكرامة دنيا وآخرة لمن ينجو من القتل. ولما أخذت هذه التعاليم سبيلها إلى نفوسهم شرع بتجنيدهم وتأليف السرايا، يبعثها هنا وهناك...
وقادها بنفسه أكثر من مرة، وحققت الاستقرار والأمن للمسلمين، كما أقلقت راحة قريش وسلامتها... ثم تحولت السرايا إلى معارك كبرى، - والمسلمون يبذلون أرواحهم وأموالهم، حتى جاء نصر الله والفتح " وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا " وأحسب أن هذه الإشارة كافية لاستخراج العبرة التي يجب أن ننتفع بها في نكبتنا بإسرائيل ومن ساند إسرائيل...
هاجر النبي (ص) من مكة المكرمة لاعتداء المشركين عليه وعلى أصحابه،