إن قول الله سبحانه كتب عليكم الصيام لعلكم تتقون إشارة إلى أن الحكمة من وجوب الصوم، وامتناع الإنسان عن طعامه وشرابه - وهما في بيته ومتناول يده - أن يضبط الصائم نفسه بوازع يردعه عن استغلال الناس واستثمارهم، والتعدي على طعامهم وشرابهم. أن يدرك عملا لا قولا أن إطلاق العنان لأنانيته وأهوائه يجعل أقوات الناس ومقدراتهم رهنا بمقدرته على الاحتكار واللعب بالأسواق، وبمهارته في فن الغش والتدليس في ذلك خطر كبير عليه وعلى المجتمع. أن يدرك أن حرية الفرد واستقلاله ومصالحه. مهما بالغنا في احترامها - هي دون حرية المجتمع واستقلاله ومصالحه. أن الحر فردا كان أو مجتمعا هو من لا يستغل ولا يستغل، لا يستعبد ولا يستعبد. وبالتالي أن يهئ السائم نفسه ينكران ذاته، وكبح شهواته ليكون عضوا صالحا في مجتمع يسير في سبيل النجاح والازدهار.
أن الدين أمر بالصوم تحديا للجوع والعطش، لا رغبة في الجوع والعطش، تحديا للأهواء التي تفرض على الناس ضريبة الجوع والعطش، وتعيق سير التقدم بجشعها الذي لا يقيد بقيد، ولا ينتهي إلى حد. قال الرسول الأعظم محمد بن عبد الله ص: الصائم من يذر شهوته وطعامه وشرابه لأجل الله سبحانه، وقال: كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش. أجل، لأن صيامه لم يحد من طمعه، ولم يرق به إلى احترام الحياة، والإيمان بحقوق الإنسان. وجاء في بعض الأدعية التي يتلوها المؤمنون في شهر رمضان المبارك: اللهم ارزقني الجد والاجتهاد، والقوة والنشاط لما تحب وترضى... والوجل منك، والرجاء لك والتوكل عليك، والثقة بك، والورع عن محارمك، إن الخوف من الله سبحانه، والورع عن محارمه، والنشاط لما يرضيه، كل ذلك، إنما يكون بالتحرر من عبودية الهوى، وحب السيطرة والاستئثار، والبعد عن الكسل والخمول، عن سبيل الذين يقامرون بقرش الفقير، ورغيف البائس، ولا عمل لهم سوى الانتقال من مقهى إلى بار، ومن ملهى إلى حانة، إن الله لا يحب، ولا يرضى عن مجتمع لا يجد ويجتهد، ولا يكافح ويناضل في سبيل حياة أرقى وأبقى، ولو ملأ الشوارع بالكنائس والجوامع، والفضاء بالأجراس والأذان أن المجتمع الذي يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله هو الذي لا ترى فيه إلا