فالقريب - إذن - من قربته الإنسانية، وإن بعد لغة ودينا وبلادا، والبعيد من أبعده الطمع والجشع، وإن قرب دينا ولغة ووطنا ونسبا، والرجل الصالح العادل من شعر بالتبعات، وتحرر من الشهوات، وقام بواجبه الإنساني بصبر وشجاعه، أما أن يتظاهر بالدين، بالإيمان بالغيب، والمحافظة عليه، والدفاع عنه، ثم يعمل أعمالا إجرامية وحشية فإن الحق والدين يبر آن منه، ومن أعماله، فمسلم ومسيحي ومجوسي أسماء تدل على أن هذا الإنسان تولد من أب مسلم أو مسيحي أو مجوسي لا أكثر ولا أقل، وماذا يجدي الانتساب إلى الدين، إذا لم يكن معه حق وعدالة وقد رأينا المستعمر يتخذ من التظاهر بالدين وسيلة لتوطيد أقدامه، وتغطية عدوانه، ويوجد في عصرنا هذا حكام مسلمون، وغير مسلمون، فهل الحاكم المسلم أصلح وأنفع لشعبه من الحاكم غير المسلم!
كان ملك الفرس يعبد النيران، ولكنه لم يفسد في الأرض بعد إصلاحها، فيحول خيراتها لإبادة العالم، أو يخصص هذه الخيرات بفئة من الفئات وبهذا كان صالحا عادلا يفخر الرسول به وبزمانه.
ونحن المسلمين الذين ندين بدين محمد (ص) لسنا أعداء دين من الأديان، ولا قومية من القوميات، ولا شعب من الشعوب، ولسنا شعب الله المختار كما تزعم الصهيونية لنفسها، وإنما نحن أعداء الظلم والاستعمار والتضليل.
نحن أعداء الصحافة المضلة التي عميت عن بؤسنا وشقائنا، واهتمت بنشر الأزياء، بأخبار الفساتين في باريس. والإعلان عن السيقان الجميلة، ومدينة الملاهي، والكازينو، ولو حسنت نية أربابها وتوخوا الصالح العام، والتوجيه المفيد لنشروا في صحفهم عن كيفية إنتاج الحليب والزبدة في هولندا، وإنتاج الحبوب، في أميركا، ووسائل الري في روسيا، وتربية الدواجن في أوروبا.
ونحن في أشد الحاجة إلى هذا التوجيه، إلى الانتفاع بإمكانياتنا المادية، والتحرر من أغلال الامتيازات وقيود الشركات وطوفان البضائع الأجنبية.