الذي يفسر الطبيعة بالخيال والوهم، ويتخذ من أقوال السلف برهانا على الحقيقة، ولو كذبتها التجربة والعيان، ويحاول إقناع الناس بأن دينه خير الأديان، وأن طائفته تسعد غدا في جنات النعيم، وسائر الطوائف تشقى بنار الجحيم.
ليست مهمة رجل الدين أن ينظر إلى السماء وحدها، ويغض الطرف عن الأرض التي يعيش فيها، أو ينظر إليها من خلال نفسه وجامعه وكنيسته، فيبشر بدينه، ويهاجم سائر الأديان، ويتعصب لطائفة ضد الطوائف الأخرى، وإنما واجب رجل الدين أولا وقبل كل شئ أن يتخذ من كل ما عليه مسحة دينية من عمل يؤدى في معبد، أو قول في كتاب مقدس، أو دعاء يكرر في الصلوات وأيام الصيام أداة توجيه وإرشاد إلى تعاون جميع الطوائف الذين يجمعهم وطن واحد، وآمال واحدة، وأهداف مشتركة، إلى تعاون الجميع على تحقيق هذه الآمال والأهداف، وهدم الفروق والحواجز التي تحول بينها وبينهم، أن يعملوا يدا واحدة على حل ما يعانونه من مشكلات لا يصح الاغضاء عنها، ولا التقصير فيها. إن الشعب الذي لا يتعاون أبناؤه على ازدهاره ورفع مستواه المادي والروحي لا دين له ولا إيمان.
ليس الدين ذلا ولا انكسارا وزهدا في الحياة ملذاتها، ولا صلاة وصياما يذوب له الصائمون، إن الصلاة رمز إلى إيمان المصلي، إيمانه بحق الإنسان وخالقه، وتعبير عن حبه للنظام الذي يحقق الحرية والرخاء للجميع، إنه يتقبل هذا النظام، ويحافظ عليه، ويخضع له بمحض إرادته واختياره.
فالصلاة الصحيحة هي ما ينتهي بها المصلي، ويتورع عن كل ما فيه ضرر لنفسه ولغيره، ويأتمر ويفعل كل ما فيه الخير والصلاح له وللمجتمع، وبهذا نجد تفسير الآية الكريمة " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " أما الصيام فقد أمر به الإنجيل قبل أن يأمر به القرآن " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " وليس الحكمة من وجوب الصيام أن يتذكر الصائم الجائعين، فيحسن إليهم. ويتصدق عليهم بالقرش والرغيف - كما قبل - ولو كانت هذه فائدة الصيام لوجب الصيام على الأغنياء دون الفقراء، ولكان حقا على الله أن يسلط على الناس حاكما ظالما يظلمهم، ويستعبدهم ليتذكروا المظلوم، وينتصروا له من الظالم.