" من قتل نفسا بغير نفس.. فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا " وقتل النفس يكون بالسيف ويكون بالجهل والبطالة وخنق الحريات وما إلى ذلك من الوقوف في طريق الحياة والنبوغ، كما أن إحياءهم يكون بالعلم وإفساح المجال للعمل وحرية الفكر وظهور النبوغ والعبقريات، وبالنتيجة يكون هتلر وأمثاله من الذين قتلوا الناس جميعا، وأديسون وانشتين من الذين أحيوهم جميعا، أجل إن الله علم الإنسان ما لم يعلم، حيث وهبة العقل والادراك، ورفع عنه الحجر والوصاية، ولكنه في نفس الوقت نهاه أن يبخس الناس أشياءهم، ويعبث في الأرض فسادا.
إن العلم قد يكون سلاحا فتاكا، وقوة هدامة تدمر الحضارة، وتعود بالانسانية إلى ظلمه التوحش والبربرية، ووسيلة تخيف الناس على أرواحهم وأموالهم، وتجعلهم في جزع مستمر، وقد يكون العالم قوة منتجة، وأداة لتطور الحياة وتقدمها.
والإسلام يحدد موقف العلم، أو قل يحد مسؤولية من في أيديهم قوة العلم ووسائله، ويوجب عليهم أن يستخدموها للحياة لا للممات، إن الإسلام يحث على العلم ويرفع من شان العاملين به، وهم المعنيون بقوله سبحانه " هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون - يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " وقال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام " العلم دين يدان به ".
أي أن العلم حق، وعلى كل إنسان أن يدين بالحق، ويعمل به، وإنما يكون العلم حقا ودينا مقدسا إذا خلقنا خلقا جديدا ينهض بنا إلى حياة أفضل، كما خلق الإسلام مجتمعا جديدا في التفكير والمعيشة والسلوك، أما العلم الذي ينتهي بنا إلى سوء المصير فقد تعوذ منه الأنبياء والمصلحون، كما تعوذوا من الشيطان الرجيم، بل تعوذوا من علم لا ضرر فيه ولا نفع، قال الرسول الأعظم ص:
أعوذ بالله من علم لا ضرر ولا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشبع، فما قولكم بالعلم يتخذ آلة للصوصية! أما القلب الذي لا يخضع فهو الذي لا يشعر صاحبه بالمسؤولية، ولا يكترث بالدين والوجدان، والنفس التي لا تشبع هي التي تحرص على الاحتكار واحتياز الثروات، وتعمى عن سوء العاقبة والمصير.