فلم أفلح حتى جاء يوم العيد، فأقبل أهل القرية إلى بيتي صباحا يقدمون لي التهاني كعادتهم في كل عيد، فقلت لهم: إني حزين لا أقبل التهنئة من أحد أيا كان، وسألوني عن السبب مستغربين، قلت: لا أحتفل بالعيد أبدا ما دام في البلد أخصام. فانبرى شيوخ القرية وجمعوا المتخاصمين. وأتوا بهم جميعا إلي، فتكلمت ورغبت إليهم أن يتصافحوا ويتعانقوا، ففعلوا، وزال ما كان في قلوبهم من غل. وهكذا اتفق أهل القرية الذين ما زالوا على الفطرة الإنسانية الطيبة التي فطرهم الله وفطر الناس جميعا عليها، لا أهل القرية فحسب، وإنما فسد، أفسد من ساءت تربيته وعلاقاته الاجتماعية.
ولولا أن تمتد بعض الأيدي الأثيمة إلى كثير من القرى تثير فيها الفتنة والشغب لكانت كل قرية كهذه، ويتناسى أهلها جراحهم ودماءهم، ويسيرون وراء كل من يتجه بهم إلى النجدة والصالح العام.
إن المشاركة الوجدانية تظهر بأصدق معانيها في أبناء القرية يوم العيد، ويلمسها كل من أقام بينهم، وشهد أعيادهم. أما المدينة فيكاد لا يوجد لهذه المشاركة أثر يذكر لا في أيام الأعياد ولا في غيرها. وليس السبب في هذا التفاوت ما قيل أو يقال بأن القرية صغيرة، وكل واحد من أهلها يرى الآخر صباحا ومساء، فهم كأهل البيت الواحد، وإنما السبب الحقيقي أن التفاوت في العيش بين أبناء القرى يسير جدا، فلا يوجد فيها كوخ متواضع إلى جانب قصر شامخ، كما هي الحال في المدينة. والغني من أهل القرية من يملك قوته الضروري ولباسه وفراشه.
فهم لذلك يشعرون بالمسؤولية، ويجتمعون على النجدة، ويبتهجون بالعيد جميعا.
أما المدينة ففيها مملكتان منفصلتان انفصالا تاما مملكة الغني الكبير الذي يحوز الملايين، ومملكة الفقير المعدم الذي لا يملك شيئا. ومن هنا ضعف الشعور بالمسؤولية، وساءت العلاقة بين الهيئات، واختص الابتهاج والاحتفال بالعيد ومظاهرة ورسومه بذوي القوة والغنى والترف. أما الفقير فإنه يكذب على نفسه ويخدعها يوم العيد، فيبتهج ويبتسم متجاهلا أتعابه وأوجاعه، لأنه لا يود أن تكون حياته كلها سلسلة من الأحزان والآلام، فهو يفر من الحزن الواقعي إلى الفرح الكاذب، ومن الأتعاب الحقيقية إلى الراحة الوهمية. إن احتفال البائسين