من رحلته، فقال: إني زرت قبر الحسين، وشممت ثراه كي يتسرب إلى نفسي نسيم الإباء والكرامة، ويهب على قلبي ريح الحق والعدالة، وعفرت خذي بالتراب، حيث بضع، وقطع خد الحسين، ولم يخضع لظالم، ولثمت أرضا وطأها الحسين، لأن خيل الطغاة جالت على صدره وقلبه وظهره وصلبه ولم يهادن، ولم يمالئ من سلب الشعب حريته، والأمة حقوقها، شممت ثراك فهب النسيم * نسيم الكرامة من بلقع وعفرت خدي بحيث استراح * خد تفرى ولم يخضع ولا يبتغي الزائر الشاعر بعد هذا الدليل دليلا على قداسة غايته ونبل مقصده، وأي دليل أصدق وأبلغ وأوضح على عظمة بقعة دفن فيها من نثرت السيوف لحمه دون رأيه وضميره، ورفع رأسه على الرمح دون إيمانه وعقيدته، وأطعم الموت خير البنين والأصحاب من الكهول إلى الشباب إلى الرضع دون مبدئه ودعوته:
وماذا أأروع من أن * يكون لحمك وقفا على المبضع وأن تتقي دون ما ترتأي * ضميرك بالأسل الشرع وأن تطعم الموت خير البنين * من الأكهلين إلى الرضع إن يوم عاشوراء وزيارة كربلاء هما رمز الحرية والمساواة بين الأسود والأبيض، والعربي مع العجمي، والملك وابن الشارع، وأنه لا فضل إلا لمن جاهد وكابد في سبيل هذه المساواة، المساواة في الغرم والغنم، فلا ظالم ومظلوم، ولا جائع ومتخوم، ولا عطشان وريان.