فلو بذل المسلمون شطر أموالهم ليوظفوا دعاة إلى دينهم بعد أولئك الخطباء ما تيسر ذلك لهم، ولو تيسر من يستمع الدعوة على مر الدهور استماع الناس لما يتلى في هذه المآتم بكل رغبة وإقبال.
ومنها: ما قد أثبته العيان، وشهد به الحس والوجدان من بث روح المعارف بسبب هذه المآتم، ونشر أطراف من العلوم ببركتها، إذ هي - بشرط كونها على أصولها - أرقى مدارس للعوام، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم، ويلتقطون منها دور السير، ويقفون بها على أنواع العبر، ويتلقون فيها من الحديث والتفسير والفقه ما يلزمهم حمله ولا يسعهم جهله، بل هي المدرسة الوحيدة للعوام في جميع بلاد الإسلام.
وقد تفنن خطباؤها في ما يصدعون به أولا على أعوادها ثم يتخلصون منه إلى ذكر المصيبة وتلاوة الفاجعة، فمنهم: من يشنف المسامع ويشرف الجوامع بالحكم النبوية، والمواعظ العلوية، أو يتلو أولا من كلام أئمة أهل البيت عليهم السلام ما يقرب المستمعين إلى الله، ويأخذ بأعناقهم إلى تقواه.
ومنهم: من يتلو أولا من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وتارخ أوصيائه عليهم السلام ما يبعث المستمعين على مودتهم، ويضطرهم إلى بذل الجهد في طاعتهم.
ومنهم: من ينبه الأفكار أولا إلى فضل رسول الله صلى الله عليه وآله ومقام أوصيائه عليهم السلام بما يسرده من الأحاديث الصحيحة، والآيات المحكمة الصريحة.
ومنهم: من يتلو أولا الأحكام الشرعية والعقائد الدينية ما تعم به البلوى المكلفين ولا مندوحة من معرفته لأحد من العالمين.