هو مقتضى المقام لا يكون بالتشديد، كما ذكرته سابقا، ولعل دليلهم كان من جنس البرهان القاطع الذي أظهرته الملاحدة على الإمام الرازي.
وفي قوله (عليه السلام) وهو يشير إلى القبر " يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا أن يقتلونني " إشارة إلى أن الأمة في خلافة أبي بكر فعلوا بأمير المؤمنين (عليه السلام) ما فعل بنو إسرائيل في عبادة العجل بهارون، فظهر مقتضى ما يستفاد من كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) من التوافق التام بين ما يظهر من الأمتين، وكون أمير المؤمنين (عليه السلام) منه (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى.
ومع ظهور ما ذكرته هل يليق بعاقل أن يجوز أن يستصرخ أمير المؤمنين (عليه السلام) ويستنجد بالقبر والأخ والعم وغيرهم في الخلافة التي تحققت في أبي بكر بغير ظلم وعدوان؟ بل لا يليق بمن انتفع بملازمة أمير المؤمنين (عليه السلام) بأدنى مراتب أخلاق يكتسب من مثله (عليه السلام) أن يتأسف في أمر دنيوي، وإن كان سلطنة كل الكائنات بألوف سنة، فكيف يجوز أن يكون استصراخه (عليه السلام) في أمر الدنيا على ما يلزمهم.
وبالجملة لا محمل لأمثال هذا الكلام منه (عليه السلام) غير السعي فيما كلف به من تحصيل الأمر الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى فيه بقدر يناسب ويليق، وإتمام الحجة على المكلفين.
وفي قول الشارح " وكل ذلك محمول عندنا - إلى قوله - عقدت له " نظر بين يظهر مما ذكرته، ويضعفه أيضا ما نقل هو عن ابن عباس من دعوى أمير المؤمنين (عليه السلام) النص وشهادة عباس له (عليه السلام) ونقله دوران الحق مع علي (عليه السلام) مع شيوعه، ونقله استصراخ أمير المؤمنين (عليه السلام) بالأحياء والأموات على وجه لا يمكن صدوره عن مثل أمير المؤمنين (عليه السلام) بغير علمه بظلمهم عليه لو لم يكن حديث دوران الحق، فكيف ينكر تحقق النص في شأنه؟ ويجعل أمثال تلك الخيالات التي ذكرها هاهنا قرينة على العدم.