الناس، كما أومأت إليهما غير مرة. وبما ذكرته ظهر غفلة عباس في قوله " ذلك بما كسبت يداك لأنك أسرعت " إلى قوله " ثللت عرشك ".
وفيما ذكره ابن أبي الحديد من عدم رغبة قريش فيه (عليه السلام) وعدم تأثير المناشدة بفضائله، وبما فعله في ابتداء الأمر من إخراج زوجته وأطفاله ليلا إلى بيوت الأنصار وغيرهم، دلالة واضحة على علم أمير المؤمنين (عليه السلام) ببطلان من سبق عليه، الدال على بطلانه، كما أومأت إليه غير مرة، وكيف تجتمع هذه الأمور من أمير المؤمنين (عليه السلام) في سعيه لتحصيل الأمر لنفسه مع استحقاق غيره له، وهذا الظن به (عليه السلام) خلاف مقتضى ما يشهد به الكتاب والسنة من مراتبه العالية.
وما ذكره بقوله " ولست اليوم ألوم العرب " لا وجه له، لأن بغضه (عليه السلام) بما فعل بأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) لا يجتمع مع الإيمان بهما. وما أيده بقوله " فاحسب أنك كنت " إلى قوله " إذا كان الإسلام صحيحا والعقيدة محققة " لا وجه له، لأن ما فرض من قتل الابن أو الأخ إن كان بغير أمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) فلا مناسبة له بما نحن فيه. وإن فرض قتل أحدهما أو كليهما بأمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) فالإيمان بهما يقتضي محبة القاتل، وعداوته حينئذ إنما هي لامتثال أمر الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وهي لا يجتمع مع الإيمان بهما، فلا معنى لقوله " إذا كان الإسلام صحيحا ".
وما ذكره بقوله " واعلم أن كل دم " الخ من عادة العرب في تعصيب الدم إنما هو من عادة الجاهلية ومن اقتفى سيرتهم، التي لا تناسب طريقة الإسلام أصلا، فرعاية الإسلام يقتضي رعاية كثرة القتل والشدة على الكفار، وعدهما من الفضائل، كما يظهر من القرآن، مثل قوله تعالى * (فضل الله المجاهدين) * (1) وقوله * (يقاتلون في سبيله صفا) * (2) وقوله * (أشداء على الكفار) * (3) وغيرها من الآيات والآثار.