اعلم أن أفعاله (عليه السلام) وأقواله دالتان على وجود النص، كما أومأت إليه، وأن المقامات تختلف في مناسبة البرهان والجدل، فربما كان أحدهما أنسب في وقت والآخر في وقت آخر، وقد عرفت في مبحث إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) دلالة الكتاب وحديث الغدير والمنزلة والعترة وغيرها على بطلان الثلاثة وحقية أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا يحتاج إلى نص آخر لو فرض انتفاؤه في إثبات الأمرين.
والروايات المذكورة مع غاية الشهرة مثبتة في صحاحهم مسلمة بينهم، ولا كلام لأحد ممن لم يغلب اللجاج على طبعه في شيوع الروايات وصحتها، لكن الدواعي الباطلة منعتهم عن الاعتراف بمقتضاها، فأولوها بما أولوها به، وقد بينت دلالتها على المطلوب، وبطلان تأويلاتهم، ولاختلاف المقامات تمسك (عليه السلام) بعد السقيفة بأمور، وعند الشورى بأمور، وذكر في مقامات أخرى ما يناسب الوقت.
واعلم أن تأثير الجدل في أذهان أوساط الناس أكثر من تأثير البرهان، بل قد يكون تأثير الشعر في أذهان بعض أكثر من غيره، فلعله لهذا تكلم (عليه السلام) بعد السقيفة بأنه إن كان للقرابة التي تمسكتم بها دلالة على الأحقية بالأمر فأنا أحق به لا أنت، وإلا فيحتاج بيان الاستحقاق إلى دلالة مستأنفة.
ويمكن أن يكون وجه ذكر الجدل عدم حاجة ما اختص به (عليه السلام) الدال على تعيينه بالاستحقاق إلى البيان، فلعله (عليه السلام) قال: فإن كانت القرابة منشأ للاستحقاق، فهي تدل على استحقاقي، مع مزيد معلوم مشهور لا اشتراك لأحد معي فيه، فذكر الالزام بعنوان الاكتفاء.
وبالجملة أنواع الدلائل على بطلان الثلاثة صدرت منه (عليه السلام) مثل قلب دليلهم، وامتناعه (عليه السلام) في مدة متمادية عن البيعة الدال على حكمه (عليه السلام) ببطلانها الدال على بطلانها، وجمع الجموع في داره، وبث الرسل والدعاة ليلا ونهارا إلى الناس وذكر فضله وقرابته، ولو ظهر منه واحد مما ذكر لم يكن للحكم بصحة البيعة للأول وجه