والناس بعد صنايع لنا " (1).
فظهر له أن الأمر لا يستقيم به يوما واحدا، بل يكون فيه استئصال الإسلام، فأذعن بالبيعة وجنح إلى الطاعة، وأمسك عن طلب الأمر، وإن كان على مضض ورمض، فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخمس وعشرين سنة، وفي دون هذه المدة تنسى الأحقاد، فلو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيفه بعد تقطر من مهج العرب، تدرس أعلام الملة، وتتعفى رسوم الشريعة، وتعود الجاهلية الجهلاء إلى حالها، ويفسد ما أصلحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ثلاث وعشرين سنة في شهر واحد، فكان من عناية الله تعالى بهذا الدين أن ألهم الصحابة ما فعلوه، والله متم نوره ولو كره المشركون انتهى.
وفيه نظر من وجوه:
أما أولا فنقول مجملا: أنه أخبر الله تعالى بما يمكن استنباط إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) منه، وأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما هو في غاية الظهور فيها، كما ذكرته سابقا، فلا وجه لمعارضتهما بما يظن دليلا، فكيف يعارضان بالكلام الشعري الذي لا وقع له عند أرباب التميز.
وأما ثانيا، فلأن عدم مداراته (عليه السلام) في الأمور إنما كان لعدم مساهلته (عليه السلام) في الأمور الشرعية، وعدم المساهلة فيها من الفضائل، كما أن مقابله من الرذائل التي ترجحون خلفائكم بها.
فإن قلت: لا كلام في كونه فضيلة لو لم يمنع عنه مانع، لكن رعاية انتظام الأمر الواجبة شرعا قلبت الرذيلة وجعلتها فضيلة، ألا ترى أن كثيرا من الأمور المحرمة