وبعد ما بينت هذا المعنى رأيت تصريح ابن أبي الحديد بترتب جميع المفاسد التالية للشورى عليها، ولعله قد يرجع إلى الفطرة التي فطر عليها، فيتكلم بالصواب، وقد يرجع إلى الأهواء المضلة، فيتكلم بما تقتضيه.
وأما ثامنا، فلأن هذا الكلام وما بعده يدلان على تعين إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وهذا - مع ضعفه الذي ظهر لك - مناف لظاهر ما ذكره سابقا، من أنه كان الأفضل والأحق بالأمر، لأن المتبادر منه الأحقية بحسب نفس الأمر، ويؤيد إرادة هذا المعنى عباراته في مواضع من كتابه.
وصية العباس:
ومن الدلائل على بطلان من تقدم على أمير المؤمنين (عليه السلام)، ما نقل ابن أبي الحديد في المجلد الثالث عشر من شرح نهج البلاغة، عن الجاحظ في وصية العباس عند مرضه الذي مات فيه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، بما حاصله: وصيته بعدم تعرض عثمان بما يسوءه. فإن قلت: كيف لا أتعرض وقد جلس مجلسا أنا أحق به، فقد قاربت، لكن ذلك بما كسبت يداك، لأنك أسرعت إليهم بظن أنهم يجعلونك خليفة لاستحقاقك، ولم تتبع رأي عمك في هذا الأمر، ثللت عرشك بيدك فدار معه، فإنه يجد أنصارا من الشام وغير الشام، ولا تجد أنصارا تقدر بها على غلبته.
إلى أن قال: ولو ظن بك ما تظن بنفسك لكان الأمر لك والزمام في يدك، ولكن هذا حديث يوم مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) فات، ثم حرم الكلام فيه حين مات، فعليك الآن بالعزوف عن شئ عرضك له رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يتم، وتصديت له مرة بعد مرة فلم يستقم، ومن ساور الدهر غلب، ومن حرص على ممنوع تعب، فعلى ذلك فقد أوصيت عبد الله بطاعتك، إلى آخر الوصية.
ثم قال ابن أبي الحديد: قلت: الناس يستحسنون رأي العباس في أن لا يدخل