لو ظهر عليه (عليه السلام) أنه لم يكن غرض السابقين أمر الدنيا، بل كان مقتضى زعمهم أنه يجب عليهم أن يفعلوا ما فعلوا على ما زعمت.
أو كان الأولى بحسب الواقع أو الواجب ما فعلوا على ما زعمه جمع كثير منهم، لم يكن للشكوة منهم والتظلم منهم وجه، بل تجويز عدم اطلاع سلمان في يوم واحد من أمر الخلافة ما ظنوا أنهم اطلعوا في سبعين سنة أو أزيد، لا ينشأ إلا من سخافة العقل أو اللجاج وتبعية من يضر تبعيته، لأن عدم اطلاع سلمان على وقوع البيعة على وفق الشرع الأنور، واستحقاق الإمامة في يوم مع اتصافه بالأوصاف المعلومة من تتبع أحواله، وبما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وظهور دليل العاقدين عليه، وإمكان استعلام ما لو فرض خفاؤه بأيسر وجه، يدل دلالة قطعية على بطلان البيعة وما يتفرع عليها، وامتناعه وتمسكه ببيت الطاهرة (عليها السلام) أظهر دلالة.
فظهر أن عدم اطلاع سلمان كاف للدلالة على بطلان أمرهم، لو لم ينضم إليه الامتناع الذي يتقوى بانضمامه، وكذا لو لم ينضم توافق أبي ذر ومقداد اللذين أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحبهما، الدال على غاية جلالتهما وانقيادهما للحق أكثر من أصحاب السقيفة الذين زعمتم صدور بيعتهم مقرونا بالعلم بالاستحقاق، هل يظهر الاستحقاق فلتة على من يكون النسوان أعلم منه؟ ولا يظهر بالتأمل على من يعلم الإيمان لو فرض في الثريا.
وذكر ابن أبي الحديد بعد ما نقلنا منه من أسباب العدول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ما حاصله: استصعاب قوم شدته (عليه السلام) وعدم المداراة وانحراف قوم عنه للحسد الناشي من شدة اختصاصه (عليه السلام) برسول الله وما قال في حقه من النصوص الدالة على رفعة شأنه، وما اختص به من مصاهرته وإخوته ونحو ذلك، وأنه ينكر قوم آخرون لنسبتهم إليه التيه، والعجب، واستصغار العرب، وإن كانوا كاذبين، وأعانهم عليها ما كان يصدر عنه (عليه السلام) ما يوهم العجب، مثل قوله " فإنا صنايع ربنا