أما الأمر الذي أصابت فيه، فقولها أنه امتنع وتلكأ، وأراد الأمر لنفسه. وأما الأمر الذي أخطأت فيه، فقولها أنه كان منصوصا عليه نصا جليا بالخلافة، تعلمه الصحابة كلها أو أكثرها، وأن ذلك النص خولف طلبا للرئاسة الدنيوية، وإيثارا للعاجلة.
وأن حال المخالفين للنص لا تعدو أحد أمرين: إما الكفر أو الفسق، فإن قرائن الأحوال وأماراتها لا تدل على ذلك، وإنما تدل وتشهد بخلافه، وهذا يقتضي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان في مبدء الأمر يظن أن العقد لغيره كان عن غير نظر في المصلحة، وأنه لم يقصد به إلا صرف الأمر عنه، والاستئثار عليه، فظهر منه ما ظهر من الامتناع والقعود في بيته، إلى أن صح عنده وثبت في نفسه أنهم أصابوا فيما فعلوه، وأنهم لم يميلوا إلى هوى، ولا أرادوا الدنيا.
وإنما فعلوا لأصلح في ظنونهم، لأنه رأى من بغض الناس له، وانحرافهم عنه، وميلهم عليه، وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم، واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم، وتذكروا الترات التي وترهم فيما قبل بها، والدماء التي سفكها منهم وأراقها.
وتعلل طائفة أخرى منهم العدول عنه بصغر سنه، واستهجانهم تقديم الشباب على الكهول والشيوخ. وتعلل طائفة أخرى منهم بكراهية الجمع بين النبوة والخلافة في بيت واحد، فيجفخون على الناس، كما قاله من قاله. هذا كلام ابن أبي الحديد (1).
وقبل أن نتكلم على الكلام نقدم مقدمات:
إحداها: أن الدنيا كانت عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في غاية الصغر، كما يدل عليه سيرته (عليه السلام) وكلامه في موارد متعددة، مقرونا بشهادة الحال، ولهذا لم ينسب من له