وبعبارة أخرى: معنى الاحتياط المؤكد فيه أن لا يعتمد في الطرق الموصولة إلى معرفة السبب أو تحققه على ما يعتمد عليه في غيره من الظنون أو الأصول، فمورد الاحتياط إنما هو في الشبهات الحكمية أو الموضوعية كما لو شك في شرطية شئ أو جزئيته في عقده أو شك في كونها المعقودة أو غيرها، لا في كثرة الأجزاء وشرائط السبب وقلتها، فالضيق والتوسعة في الأسباب لا مدخلية لهما في الاحتياط وعدمه فالتوسعة والتخفيف في سبب النكاح لا ينافي الاحتياط المؤكد فيه، بل لعل المناسب لحفظ الفروج من الزنا التوسعة في أسباب حليتها حذرا من الوقوع فيه ولعله الحكمة في تحليل المتعة وملك اليمين وتحليل الأمة وحكمة حياء المرأة المسوغ لتقديم القبول على الايجاب في عقده، فليس التخفيف الثابت في النكاح من حيث صحة الفضولي فيه بالنص والاجماع رفعا لليد عن الاحتياط فيه حتى يستلزم رفع اليد عنه في غيره بالأولوية ولذا لم يتمسك بها جل الفقهاء مع وضوحها لو كانت متحققة فافهم.
ومنها: ما ورد بطرق معتبرة في تزويج العبد نفسه بغير إذن سيده من ارجاع الأمر إلى مشيئة السيد بين التفريق والإجازة، معللا فيه بأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده فإن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز. وهو صريح في الصحة على تقدير الإجازة، ولا يقدح في الاستدلال به مطلقا اختصاص مورده بالنكاح المعلوم صحة الفضولي فيه بالاجماع والنصوص المستفيضة والتمسك في التعدي منه إلى غيره بالأولوية - مع كونها ممنوعة كما عرفت - قد تقدم الاستدلال بها أيضا لأن الاستدلال به من جهة عموم العلة المنصوصة فيه المستفادة من مقابلة عصيان الله بعصيان سيده بتقريب: أنه لم يعص الله حتى لا يرجى زوال المعصية بلحوق رضاه لأن حرام الله حرام إلى آخره، بل عصى سيده المحتمل في حقه تعقب الرضا له، فيكون حاصل الفرق: إمكان لحوق الرضا وعدمه،