وبذلك يظهر ضعف ما ذكره الشهيدان وغيرهما: من أن المكره قاصد للفظ دون مدلوله.
اللهم إلا أن يؤول كلامهم - ولو بالتكلف - إلى ما ذكرناه، كيف والهازل الذي هو دونه قاصد إلى اللفظ ومدلوله لكن بإرادة صورية، وبذلك امتاز الهازل عن الملقن كالصبي ونحوه القاصد إلى اللفظ دون المعنى وامتاز الملقن عن الغالط الذي لا قصد له إلى اللفظ أيضا، فمراتب الكلام مع القصد وعدمه متعددة، وهي مرتبة الغالط وهو الذي لا قصد له للفظ ولا للمعنى ومرتبة الملقن ونحوه وهو القاصد للفظ دون المعنى، ومرتبة الهازل وهو القاصد للفظ والمعنى قصدا " صوريا " ولذا لو تعقب الرضا بعد الهزل لا يجدي في الصحة لعدم الانشاء حين الهزل حقيقة، والرضا ليس بانشاء، والأثر مترتب على الانشاء، ومرتبة المكره وهو القاصد إلى اللفظ والمعنى الانشائي قصدا " حقيقيا " إلا أنه لم يكن ذلك منه عن طيب ورضاء، فإذا رضى بالانشاء المتقدم اجتمعت فيه شرائط الصحة، ويشهد لما ذكرنا إخراجهم بيع المكره بقيد الاختيار في شرائط المتعاقدين دون القصد، وبه أخرجوا الملقن والهازل والفضولي كالمكره في تحقق قصد الانشاء منه حقيقة، بل مع الرضا أيضا إلا أن المعتبر رضا المالك دون رضاه ولذا أخرجوه بقيد الملك في شرائط المتعاقدين، فإذا أجاز المالك الانشاء المقصود من الفضولي اجتمعت في عقده شرائط الصحة الفعلية.
فقد ظهر مما ذكرنا فساد ما استدلوا به على البطلان مطلقا " ولم يبق إلا الأصل المخرج عنه بما ذكرنا من أدلة الصحة.
احتج من فصل بين سبق المنع وعدمه، فحكم بالبطلان في الأول وبالصحة في الثاني بما يرجع محصله في الأول مرة - إلى عدم الدليل على الصحة بعد أن كان مقتضى الأصل هو الفساد بناء على عدم الدليل المخرج