شرح شافية ابن الحاجب - رضي الدين الأستراباذي - ج ٢ - الصفحة ٢١٦
دال نون، وكذا الأصوات، نحو قوس (1)، وطيخ (2)، الوقف فيها وضعي، لأنها لم توضع لقصد التركيب كما مضى في بابها (3)
(1) قوس: اسم صوت يزجر به الكلب ليبتعد، فيقال له: قوس قوس، وهو مبنى على السكون، فإذا دعوته ليقبل قلت: قس قس، وقد اشتقوا من ذلك فعلا فقالوا: قوقس الرجل، إذا أشلى كلبه: أي دعاه أو أغراه (2) طيخ: حكاية صوت الضحك، وهواسم صوت، والذي ذكره صاحب اللسان والقاموس أنه مبنى على الكسر، وكذلك ذكر المؤلف نفسه في شرح الكافية (ح 2 ص 77) حيث قال: " من الأصوات التي هي حكاية عن أصوات الانسان أو العجماوات أو الجمادات " طيخ " وهو حكاية صوت الضاحك، وعيط حكاية صوت الفتيان إذا تصايحوا في اللعب، وغاق - بكسر القاف - وقد ينون، وهو صوت الغراب... وشيب صوت مشافر الإبل عند الشرب. كلها مكسورة الأواخر " اه، فعلم من هذا أنه قد خالف هنا ما ذكره هناك وما هو نقل علماء اللغة (3) الذي مضى هو قوله في (ح 2 ص 75): " اعلم أن الألفاظ التي تسميها النحاة أصواتا على ثلاثة أقسام: أحدها حكاية صوت صادر إما عن الحيوانات العجم كغاق (حكاية صوت الغراب) أو عن الجمادات كطق (حكاية صوت حجر وقع على آخر) وشرط الحكاية أن تكون مثل المحكي، وهذه الألفاظ مركبة من حروف صحيحة محركة بحركات صحيحة، وليس المحكي كذلك لأنه شبه المركب من الحروف وليس مركبا منها، إذ الحيوانات والجمادات لا تحسن الافصاح بالحروف إحسان الانسان، لكنهم لما احتاجوا إلى إيراد أصواتها التي هي شبه المركب من الحروف في أثناء كلامهم أعطوها حكم كلامهم من تركيبها من حروف صحيحة، لأنه يتعسر عليهم أو يتعذر مثل تلك الأجراس الصادرة منها، كما أنها لا تحسن مثل الكلام الصادر من جنس الانس، إلا في النادر كما في الببغاء، فأخرجوها على أدنى ما يمكن من الشبه بين الصوتين، أعني الحكاية والمحكى، قضاء لحق الحكاية: أي كونها كالمحكي سواء، فصار الواقع في كلامهم كالحكاية عن تلك الأصوات. وثانيها أصوات خارجة عن فم الانسان غير موضوعة وضعا، بل دالة طبعا على معان في أنفسهم، كأف وتف، فان المتكره لشئ يخرج من صدره صوتا شبيها بلفظ أف، ومن يبزق على شئ مستكره يصدر منه صوت شبيه بتف، وكذلك آه للمتوجع أو المتعجب، فهذه وشبهها أصوات صادرة منهم طبعا كأح لذي السعال، إلا أنهم لما ضمنوها كلامهم لاحتياجهم إليها، نسقوها نسق كلامهم وحركوها تحريكه وجعلوها لغات مختلفة...، وثالثها أصوات يصوت بها للحيوانات عند طلب شئ:
إما المجئ كألفاظ الدعاء، نحو جوت، وقوس، ونحوهما، وإما الذهاب كهلا، وهج، وهجا، ونحوها، وإما أمر آخر، كساء للشرب، وهدع للتسكين، وهذه الألفاظ ليست مما يخاطب به هذه الحيوانات العجم حتى يقال: إنها أوامر أو نواه، كما ذهب إليه بعضهم، لأنها لا تصلح لكونها مخاطبة، لعدم فهمهما الكلام، كما قال الله تعالى: (كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) بل كان أصلها أن الشخص كان يقصد انقياد بعض الحيوانات لشئ من هذه الأفعال فيصوت لها: إما بصوت غير مركب من الحروف كالصفير للدابة عند إيرادها الماء وغير ذلك، وإما بصوت معين مركب من حروف معينة لا معنى تحته، ثم يحرضه مقارنا لذلك التصويت على ذلك الامر: إما بضربه وتأديبه، وإما بايناسه وإطعامه، فكان الحيوان يمتثل المراد منه إما رهبة من الضرب أو رغبة في ذلك البر، وكان يتكرر مقارنة ذلك التصويت لذلك الضرب أو البر إلى أن يكتفي الطالب لذلك الصوت عن الضرب أو البر، لأنه كان يتصور الحيوان من ذلك الصوت ما يصحبه من الضرب أو ضده فيمتثل عقيب الصوت عادة ودربة، فصار ذلك الصوت المركب من الحروف كالأمر والنهي لذلك الحيوان، وإنما وضعوا لمثل هذا الغرض صوتا مركبا من الحروف ولم يقنعوا بساذج الصوت لان الصوت من حيث هو هو مشتبه الافراد، وتمايزها بالتقطيع والاعتماد بها على المخارج سهل، فلما كانت الافعال المطلوبة من الحيوانات مختلفة أرادوا اختلاف العلامات الدالة عليها، فركبوها من الحروف، وما ذكرنا من الترتيب يتبين من كيفية تعليم الحيوانات كالدب والفرد والكلب وغير ذلك " ثم قال: " وإنما بنى أسماء الأصوات لما ذكرنا من أنها ليست في الأصل كلمات قصد استعمالها في الكلام، فلم تكن في الأصل منظورا فيها إلى التركيب الذي هو مقتضى الاعراب، وإذا وقعت مركبة جاز أن تعرب اعتبارا بالتركيب العارض، وهذا إذا جعلها بمعنى المصادر كآها منك وأف لكما، إذا قصدت ألفاظها لا معانيها، قال جهم بن العباس:
ترد بحيهل وعاج وإنما * من العاج والحيهل جن جنونها وقال:
تداعين باسم الشيب في متثلم * جوانبها من بصرة وسلام وقال: (دعاهن ردفى فارعوين لصوته) * كما رعت بالجوت الظماء الصواديا على الحكاية مع الألف واللام، وتقول: زجرته بهيد (بفتح الهاء وكسرها) وبهيد (الأول محكي والثاني معرب)، وهذا كما تقول في الكلمات المبنية إذا قصدت ألفاظها:
(ليت شعري وأين مني ليت) * إن لوا وإن ليتا عناء ولا يحد الله بأين ولا بأين "... والاعراب مع اللام أكثر من البناء نحو من العاج والحيهل - بالجر - وباسم الشيب، لكونها علامة الاسم الذي أصله الاعراب " اه