وأوصى الإمام (عليه السلام) من بعده إلى خمسة أشخاص - وقيل إلى ثلاثة أشخاص - حذرا على الإمام الذي بعده وعلى شيعته.
وشاهد الإمام الكاظم (عليه السلام) أيضا بني عمه من الحسنيين وما حل بهم من الرزايا والنكبات ظلما وعدوانا وقتلا وتشريدا، هكذا استقبل الإمام الكاظم (عليه السلام) إمامته في عهد المنصور العباسي، فانطوت نفسه الزكية على الحزن العميق والأسى المرير، وتجرع مرارة تلك الأحداث القاسية محتسبا كاظما للغيظ.
لقد كان الإمام (عليه السلام) يقدر حراجة الموقف الذي مر به وهو في مقتبل إمامته، فكان (عليه السلام) حريصا على التزام جانب الحذر والكتمان إلا من خاصته وخلص أصحابه، ولم يشترك في الميادين السياسية ولم ينضم إلى الثوار من العلويين لعلمه بفشل حركتهم وعدم نجاحها، وكان (عليه السلام) يتقي شر العباسيين ولا يسمح لشيعته ومريديه من الاتصال به بشكل اعتيادي، حتى إن الرواة من خلص أصحابه كانوا يكنون عنه بالعبد الصالح، والعالم، والسيد، والرجل، وأبي إبراهيم، وغيرها حذرا وتوقيا من فتك السلطة.
ورغم أن الإمام (عليه السلام) قد اتخذ كافة الاحتياطات الكفيلة بأن تقيه وأصحابه من شر الحكام الظلمة من القتل والحبس والتشريد في زمان المنصور، إلا أن عيون المنصور كانت تراقبه بدقة وتحصي عليه وعلى أصحابه أنفاسهم، ففي حديث هشام ابن سالم الذي تحير في الاهتداء إلى الإمام بعد الصادق (عليه السلام)، فلما دل عليه قال:
قلت: جعلت فداك، إن أخاك عبد الله يزعم أنه الإمام من بعد أبيه؟ فقال: عبد الله يريد أن لا يعبد الله. قال: قلت: جعلت فداك؟ فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك. قلت: جعلت فداك، فأنت هو؟ قال: لا أقول ذلك. قال: فقلت في نفسي: إني لم أعرف طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك، أعليك إمام؟
قال: لا.