رابعا - في علمه باللغات 1 - عن علي بن أبي حمزة، قال: كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) إذ دخل عليه ثلاثون مملوكا من الحبش، وقد اشتروهم له، فكلم غلاما منهم، وكان من الحبش، فكلمه بكلامه ساعة، حتى أتى بجميع ما يريد، وأعطاه درهما، فقال: اعط أصحابك هؤلاء كل غلام منهم كل هلال ثلاثين درهما.
ثم خرجوا. فقلت: جعلت فداك، لقد رأيتك تكلم هذا الغلام بالحبشية، فماذا أمرته؟
قال (عليه السلام): أمرته أن يستوصي بأصحابه خيرا، ويعطيهم في كل هلال ثلاثين درهما، وذلك أني لما نظرت إليه علمت أنه غلام عاقل من أبناء ملكهم، فأوصيته بجميع ما أحتاج إليه، فقبل وصيتي، ومع هذا غلام صدق.
ثم قال (عليه السلام): لعلك عجبت من كلامي إياه بالحبشية؟ لا تعجب، فما الذي خفي عليك من أمر الإمام أعجب وأكثر، وما هذا من الإمام في علمه إلا كطير أخذ بمنقاره من البحر قطرة من ماء، أفترى الذي أخذ بمنقاره نقص من البحر شيئا؟
قال: فإن الإمام بمنزلة البحر لا ينفد ما عنده، وعجائبه أكثر من ذلك، والطير حين أخذ من البحر قطرة لم ينقص من البحر شيئا، كذلك العالم لا ينقصه علمه شيئا ولا تنفد عجائبه (1).