قال: فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله تعالى إعظاما له وهيبة، ثم قلت له:
جعلت فداك، أسألك عما كنت أسأل أباك؟ قال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح (1)، الحديث.
وهكذا فإن انقطاع الإمام واعتصامه في بيته ومزاولته أعماله الخاصة واعتزاله الناس إلا خواص أصحابه جعل المنصور لا يراه خطرا على عرشه، فكف عنه الأذى والمكروه، سيما وإن بعض الشيعة كانوا قد التفوا حول أخيه عبد الله الأفطح، وبعضهم قد رجع إلى القول بإمامة أخيه إسماعيل المتوفى في حياة أبيه (عليه السلام)، وقد بدت نتائج احتياطات الإمام (عليه السلام) واضحة خلال حكم المنصور، الذي سام العلويين أشد أنواع النكال والتعذيب والجور والسجن والقتل، ورغم ذلك فإنه لم يتعرض للإمام إلى الاستدعاء إلى بغداد مثلا كما كان يستدعي أباه (عليه السلام) ويتهدده بالقتل، ولا تعرض (عليه السلام) للحبس من قبله كما تعرض له في أيام المهدي والرشيد بعد أن اشتهر أمره وذاع صيته وتوسعت قاعدته والتف حوله جماهير الشيعة ورجع إليه من شذ منهم إلى غيره.
ولولا تلك التدابير التي اتخذها الإمام وأبوه (عليه السلام) لكان مصيره القتل على يد المنصور الجائر، ويتضح ذلك من خلال رسالة المنصور إلى واليه على المدينة محمد ابن سليمان حين أخبره بوفاة الصادق (عليه السلام) والتي يقول فيها: إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه، وعاد الجواب: قد أوصى إلى خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان، وعبد الله وموسى وحميدة. فقال المنصور: ما إلى قتل هؤلاء سبيل (2).