فقال: بارك الله لك في مالك، وأحسن جزاك، ما كنت لآخذ منه درهما واحدا، ولا من هذه الأقطاع شيئا، وقد قبلت صلتك وبرك، فانصرف راشدا، ولا تراجعني في ذلك. فقبل يده وانصرف (1).
الوشاية به (عليه السلام):
لقد كان الحقد من مقومات ذات الرشيد، ومن أبرز صفاته النفسية، فكان يحمل حقدا لكل شخصية مرموقة لها المكانة العليا في عصره، فلم يرق له بأي حال أن يسمع الناس وهم يتحدثون عن شخص يتمتع بمكانة عليا في المجتمع، وذلك لئلا يزهد الناس فيه، ولكي يحتكر التعالي والعظمة والأولوية لنفسه ولذاته، كما هو دأب الطغاة في كل عصر، فقد حسد الرشيد البرامكة لما ذاع صيتهم، وتحدثت الناس عن مكارمهم، فلم يشف شأفة نفسه وحرارة حقده إلا باستئصالهم وإزالة وجودهم من الأرض.
وكان من الطبيعي أن يحقد الرشيد على الإمام موسى (عليه السلام)؛ لأنه ألمع شخصية في عصره علما وتقوى وزهدا وخلقا، فقد تناقل الناس فضائله وتحدثت جميع الأوساط عن علمه ومواهبه، وذهب جمهور غفير من المسلمين إلى إمامته، وأنه أحق بمنصب الخلافة منه. حتى إن هارون نفسه كان يقر ذلك ويقول لولده المأمون:
هذا إمام الناس وحجة الله على خلقه وخليفته على عباده، والله يا بني إنه أحق بمقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) مني ومن الخلق جميعا، ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك، فإن الملك عقيم.