وطأة الزحف الاسلامي المقدس، فادع ذلك بين المسلمين وآمنوا به كجزء من عقيدتهم، كما استشف النبي (ص) من وراء الغيب ما تمنى به أمته من الفتنة والفرقة فاحتاط لها كاشد ما يكون الاحتياط فوضع لها رصيدا يحسم كل داء، ويقضي على كل خلاف فدلل على امامة العترة الطاهرة من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ولم يكن بذلك مدفوعا بدافع العاطفة أو الحب فان شان النبوة أسمى من أن يخضع لأي عامل من عوامل الحب أو غيره من الاعتبارات المادية.
وبلغت أحاديث الرسول (ص) في فضل عترته حد التواتر، ولم يتطرق إليها الريب والشك عند أحد من المسلمين، فقد قرنهم بمحكم التنزيل - الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - وجعلهم سفن النجاة وأمن العباد، وأما سيد العترة الامام أمير المؤمنين (ع) فإنه - حسب النصوص النبوية - أخو النبي ونفسه، وباب مدينة علمه، واقضى أمته، وانه منه بمنزلة هارون من موسى، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه...
ولكن القوم كرهوا اجتماع النبوة والخلافة في بيت واحد فتأولوا النصوص وزووا الخلافة عن أهل بيت النبوة، ومعدن الحكمة، ومهبط الوحي، وحرموا الأمة من التمتع بظلال حكمهم الهادف إلى نشر عدالة السماء في الأرض.
وأدت عملية الفصل إلى التطاحن الفظيع على كراسي الحكم بين الأسر البارزة في الاسلام، فمنيت الأمة من جراء ذلك بالكوارث والخطوب التي أحالت الحياة في تلك العصور إلى جحيم لا يطاق، فقد كان حكم النطع والسيف هو السائد بين الناس.