ولو كانت عند مذحج صبابة من الشرف والنبل لانبرت إلى انقاذ زعيمها، ولكنها كانت كغيرها من قبائل الكوفة، قد طلقت المعروف ثلاثا.. وعمد هانئ إلى اخراج يده من الكتاف، وهو يطلب السلاح ليدافع به عن نفسه، فلما بصروا به بادروا إليه فأوثقوه كتافا وقالوا له:
" امدد عنقك. " فأجاب برباطة جاش ورسوخ يقين: " لا والله ما كنت بالذي أعينكم على نفسي " وانبرى إليه وغد من شرطة ابن زياد يقال له: رشيد التركي (1) فضربه بالسيف فلم يصنع به شيئا، ورفع هانئ صوته قائلا:
" اللهم إلى رحمتك ورضوانك. اللهم اجعل هذا اليوم كفارة لذنوبي، فاني، انما تعصبت لابن بنت محمد.. ".
وضربه الباغي ضرب أخرى فهوى إلى الأرض يتخبط بدمه الزاكي ولم يلبث قليلا حتى فارق الحياة (2) وكان عمره يوم استشهد تسعا وتسعين سنة (3) وقد مضى شهيدا دون مبادئه وعقيدته وجزع لقتله الأحرار والمصلحون، وقد رثاه أبو الأسود الدئلي بقوله: