وكان في استطاعته قتله ولو أنه فعل ذلك لحرم يزيد نفسا جبارة، ويدا فتاكة، وقوة لا يستهان بها، ولكن مسلما متأثر بهدي ابن عمه عاف هذا المسلك وصان نفسه من أن يقتله غيلة ومكرا، (1).
وان مهمة مسلم التي عهد بها إليه هي أخذ البيعة من الناس والتعرف على مجريات الاحداث، ولم يعهد إليه بأكثر من ذلك، ولو قام باغتيال الطاغية لخرج عن حدود مسؤولياته.. على أن الحكومة التي جاء ممثلا لها انما هي حكومة دينية تعني قبل كل شئ بمبادئ الدين والالتزام بتطبيق سننه وأحكامه، وليس من الاسلام في شئ القيام بعملية الاغتيال.
وقد كان أهل البيت (ع) يتحرجون كاشد ما يكون التحرج من السلوك في المنعطفات، وكانوا ينعون على الأمويين شذوذ أعمالهم التي لا تتفق مع نواميس الدين، وما قام الحسين بنهضته الكبرى الا لتصحيح الأوضاع الراهنة وإعادة المنهج الاسلامي إلى الناس.. وما ذا يقول مسلم للأخيار والمتحرجين في دينهم لو قام بهذه العملية التي لا يقرها الدين.
وعلى أي حال فقد استمسك مسلم بفضائل دينه وشرفه من اغتيال ابن زياد، وكان تحت قبضته، وان من أهزل الأقوال وأوهنها القول بان عدم فتكه به ناشئ عن ضعفه وخوره، فان هذا أمر لا يمكن أن يصغى إليه فقد أثبت في مواقفه البطولية في الكوفة حينما غدر به أهلها ما لم يشاهد التاريخ له نظيرا في جميع مراحله، فقد صمد أمام ذلك الزحف الهائل من الجيوش فقابلها وحده ولم تظهر عليه أي بادرة من الخوف والوهن، فقد قام بعزم ثابت يحصد الرؤوس ويحطم الجيوش حتى ضجت الكوفة من كثرة من قتل منها، فكيف يتهم بطل هاشم وفخر عدنان بالوهن والضعف؟