واستقبل المسلمون حكومة معاوية - بعد الصلح - بكثير من الذعر والفزع والخوف، فقد عرفوا واقع معاوية، ووقفوا على اتجاهاته الفكرية والعقائدية فخافوه على دينهم، وعلى نفوسهم وأموالهم، وقد وقع ما خافوه فإنه لم يكد يستولي على رقاع الدولة الاسلامية حتى أشاع الظلم والجور والفساد في الأرض، ويقول المؤرخون انه ساس المسلمين سياسة لم يألفوها من قبل، فكانت سياسته تحمل شارات الموت والدمار، كما كانت تحمل معول الهدم على جميع القيم الأخلاقية والانسانية، وقد انتعشت في عهده الوثنية بجميع مساوئها التي نفر منها الناس، يقول السيد مير علي الهندي:
" ومع ارتقاء معاوية الخلافة في الشام عاد حكم التوليغارشية الوثنية:
السابقة فاحتل موقع ديمقراطية الاسلام وانتعشت الوثنية بكل ما يرافقها من خلاعات، وكأنها بعثت من جديد، كما وجدت الرذيلة والتبذل الخلقي لنفسها متسعا في كل مكان ارتادته رايات حكام الأمويين من قادة جند الشام.. " (1) والشئ المؤكد ان حكومة معاوية لم تستند إلى رضى الأمة أو مشورتها، وانما فرضت عليها بقوة السلاح، وقد اعترف معاوية بذلك اعترافا رسميا بتصريح أدلى به امام جمهور غفير من الناس فقال: " والله ما وليتها - اي الخلافة - بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي، ولكن جالدتكم بسيفي هذا مجالدة، فان لم تجدوني أقوم مجتمعكم كله فاقبلوا مني بعضه.. ".
ولما وقعت الأمة فريسة تحت أنيابه - بعد الصلح - خطب في (النخيلة) خطابا قاسيا أعلن فيه عن جبروته وطغيانه على الأمة واستهانته بحقوقها فقد جاء فيه: " والله اني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا، انكم لتفعلون ذلك، وانما قاتلتكم لا تأمر عليكم،