توطيد دعائم الإسلام في أرجائها. وفضلا عما كان لهذه الخدمة من الأهمية الدينية، فقد كانت لها أهمية سياسية كبيرة ليس لها إلا أمثال عمرو كما سترى.
فخرج عمرو حتى انتهى إلى عمان، حيث قابل عبادا وكان أصفر من أخيه جيفر وأحلم وأسهل خلقا منه، فسأله عباد عن حاجته فأجابه عمرو: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إليك وإلى أخيك فقال:
أخي المقدم على بالسن والملك، وأنا أوصلك إليه كي تقرأ كتابك عليه. ثم سأله عما يدعو إليه هذا الدين، وهل أسلم أبوه أم مات على غير الإسلام؟ ومتى أسلم عمرو وأين كان إسلامه؟ وما الذي يأمر به هذا الدين وينهى عنه؟ فأجابه عمرو بما اشتهر عنه من الإبانة في القول وإقامة الحجة حتى أقنعه وأراه الحق عيانا فمال قلب عباد إلى الإسلام ورغب فيه. يدلك على ذلك قوله: ما أحسن هذا الذي يدعو إليه، ولو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به. ولكن أخي ضن بملكه من أن يدعه ويصير ذنبا (تابعا) بعد أن كان متبوعا. فقال له عمرو: إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه يأخذ الصدقات من غنيهم ويردها على فقرائهم، فأعجب عباد بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أعجاب لما في ذلك من مواساة الفقراء وإغاثة الملهوف وقضاء حاجة المعوزين.
أقام عمرو بباب جيعر أياما من غير أن يقابله وعباد يخبر أخاه بكل ما يدور بينه وبين عمرو من أطراف الحديث حتى دعاه عباد يوما ليدخل على أخيه: ولما تم لعمرو ما أراد من مقابلة جيفر أذن له هذا بالحديث فدفع إليه الكتاب مختوما بختم النبي صلى الله عليه وسلم فقرأه ثم دفعه إلى أخيه فقرأه كذلك. وحينذاك سأله عما صنعت قريش فقال عمرو: إما راغب في الدين وأما مقهور بالسيف وأن لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ويبيد خضراءك (رجالك) فأسلم تسلم فيوليك