مكانة بين أقرانه الذين سبقوه إلى الإسلام فليس له بد من أن يسلم طائعا، قبل أن يسلم كارها.
وقد قدمنا ما كان من اعتذار عمرو حين سئل عن سبب إبطائه عن الإسلام، فزعم أنه كان يأتم بسادة قريش. وليس من شك في أن هذا الجواب إنما كان يراد به التخلص من مسألة كانت تورط من تلقى عليه، ولم يكن هذا أمر عمرو وحده، وإنما كان أمر طائفة كثيرة من الذين أسلموا متأخرين. ولسنا نشك في أن عمرا حين أسلم كان وثق أن أمر الإسلام ليس مقصورا على بلاد العرب، بل هو متجاوزها إلى غيرها وأنه قد تنبأ بما سيكون للمسلمين من فتح. ولسنا نزعم أنه إنما أسلم طلبا لحسن المكانة فحسب، وأنما كان يطلب إلى ذلك أن ينفع المسلمين بما أوتي من قوة وحزم. وليس من شك في إنه كان قد أعد لنفسه برنامج عمل هو الذي أنفذه حين بدأ المسلمون بالفتح. على أن الرجل لم يكد يبايع النبي صلى الله الله عليه وسلم حتى صحت عزيمته على أن يبذل ما ملك من قوة لرفع شأن الإسلام. ولسنا يستطيع أن نصف مقدار ما كان لعمرو من الإيمان الديني، ولكنا نستطيع أن نجزم بأن إيمان الوطني وحرصه على إعلاء كلمة العرب، وبسط أعلامهم على ما جاورهم من البلاد كانا عظيمين جدا. يدلك على ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام:
أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص. وكل ما سنقوله منذ الآن يبين هذا الرأي.