رجع هو إلى أصحابهما. فبذلك عرف عمرو مدخل مصر ومخرجها ورأى منها ما علم أنها أفضل البلاد وأكثرها مالا. فلما رجع عمرو إلى أصحابه دفع إليهم فهما بينهم ألف دينار وأمسك لنفسه ألفا. قال عمرو:
فكان هذا أول مال تأثلته. أه بتصرف.
والذي نراه إن هذه القصة ملفقة والتلفيق فيها ظاهر ظهورا بينا سنكشف الستار عنه.
ومع ذلك فلا يبعد أن يكون عمرو بن العاص قد زار الإسكندرية (كما ذكر الكندي) فعرف مسالك البلاد وطرق القدوم إليها. على أن شهرة مصر وعاصمتها الإسكندرية لم تكن لتخفى على عمرو بن العاص، بعد أن فتحت أكثر مدائن الشام على يديه، ووقف بنفسه على أخبار مصر التي أخصها هجرة الألوف من المصريين إلى بلاد الشام لاضطهاد الروم لهم، وقتل اليعاقبة منهم. فانتهز هذه الفتن وانشغال الروم بقمع هذه الثورات فرصة سانحة لاستيلائه على مصر.
والذي يدعو إلى العجب من هذه القصة ترامي الملوك بالكرة ووقوعها في كم عمرو. وأن من وقعت في كمه لم يمت حتى يملكهم.
والتاريخ لم يذكر لنا رومانيا تعين حاكما لمصر ينطبق عليه قول السيوطي. ومن المعلوم أن حكام مصر كانوا يعينون من قبل إمبراطور الروم مباشرة، من طبقة الفرسان أو من أهالي الإسكندرية الذين يتمتعون بالحقوق الرومانية المدنية وأن أباطرة الرومان حظروا على أعضاء مجلس الشيوخ والفرسان ذوي الأنساب الدخول في وادي النيل من غير ترخيص منهم (1). وإذا كان كذلك فأين كان هؤلاء الملوك الذين