ولا ندري لم يستبعد (بطلر) إن عمرو بن العاص فتح مصر وهو في السادسة والستين لأن هذه السن تعوقه عن القيام بهذا الأمر. وقد شاهدنا أسماء كثيرين من القواد العظام في الحرب الأوروبية العامة من أمثال (هندنبرج) و (مولتك) و (ترپتر) و (فوش) و (جوفر) و (فرنش) وغيرهم قد خاضوا معا مع هذه الحرب الطاحنة، وقادوا الجيوش الجرارة وقد ناهزت سنهم الستين؟ وهذا هو (كليمانصو) رجل فرنسا قد تولى قيادة الأمة الفرنسية كلها أثناء الحرب حتى أرسى سفينتها على ساحل السلامة. وهو شيخ تربو سنه على السبعين كثيرا، وقد رأيناه في السنة الماضية وقد عم بياض الشيب رأسه وشاربيه وهو الآن يسيح في بلاد الشرق الأقصى ويخطب في النشئ في المستعمرات الفرنسية وقد حفظ لنا التاريخ عن كثير من العرب أنهم كانوا يحاربون وهم في أعظم من هذا السن. فإن عمرو بن معد يكرب الزبيدي كان ممن أبلى البلاء الحسن في القادسية. وكان يحمل على الأعداء ويطعنهم بسيفه وقد ناهزت سنه المائة. ومع ذلك فقد بز الشباب حمية وبسالة وإقداما وقوة.
وقول (بطلر) الذي يستبعد أن يفتح عمرو بن العاص مصر وهو في سن السادسة والستين مردود عليه. لأنه إذا سلمنا بهذا القول جدلا فإن عمرا قد فتح مصر الفتح الثاني وهو في سن السادسة والستين أيضا - أي قبل بلوغه السبعين بأربع سنين.
ولهذا لا نستبعد موت عمرو بن العاص وله تسعون سنة تقريبا وهي السن التي نختارها، وربما زادت أو قلت بسنة أو اثنتين.
أما قول ابن قتيبة إن عبد الله بن عمرو أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة مما يزيدنا ارتيابا في صحة هذه الرواية إذ لا يعقل مطلقا أن تحمل أم عبد الله ولأبيه إحدى عشرة سنة تقريبا.