ثم يقال له: أليست التقية عندك جائزة على جميع المؤمنين عند حصول أسبابها وعلى الإمام والأمير؟ فإن قال: هي جائزة على المؤمنين وليست جائزة على الإمام والأمير، قلنا: وأي فرق بين ذلك؟ والإمام والأمير عندك ليسا بحجة في شئ كما أن النبي (صلى الله عليه وآله) حجة فيمنع من ذلك لمكان الحجة بقولهما، فإن اعترف بجوازها عليهما قيل له: فألا جاز على النبي قياسا على الأمير والإمام؟
فإن قال: لأن قول النبي حجة وليس الإمام والأمير كذلك، قيل له: وأي تأثير في الحجة في ذلك إذا لم تكن التقية مانعة من أصابة الحق، ولا بمخلة بالطريق إليه، وخبرنا عن الجماعة التي نقلها في باب الأخبار حجة لو ظفر بهم جبار ظالم متفرقين أو مجتمعين، فسألهم عن مذاهبهم - وهم يعلمون أو يغلب في ظنونهم أنه متى ما ذكروها على وجهها قتلهم وأباح حريمهم - أليست التقية جائزة على هؤلاء مع الحجة في أقوالهم؟ فإن منع من جواز التقية على ما ذكرناه دفع ما هو معلوم وقيل له: وأي فرق بين هذه الجماعة وبين من نقص عن عدتها في جواز التقية؟ فلا يجد فرقا.
فإن قال: إنما جوزنا التقية على من ذكرتم لظهور الإكراه والأسباب الملجئة إلى التقية، ومنعناكم من مثل ذلك لأنكم تدعون تقية لم تظهر أسبابها ولا الأمور الحاملة عليها من إكراه وغيره.
قيل له: هذا اعتراف بما أردناه من جواز التقية عند وجود أسبابها، وصار الكلام الآن في تفصيل هذه الجملة، ولسنا نذهب في موضع من المواضع إلى أن الإمام اتقى بغير سبب موجب لتقية وحامل على فعله، والكلام في التفصيل غير الكلام في الجملة، وليس كل الأسباب التي توجب التقية تظهر لكل أحد ويعلمها جميع الخلق، بل ربما اختلفت الحال فيها.
وعلى كل حال فلابد أن تكون معلومة لمن وجب تقيته ومعلومة أو مجوزة لغيره، ولهذا قد نجد بعض الملوك يسأل رعيته عن أمر، فيصدقه بعضهم في ذلك