لفظه (1): اما قوله - أي قول المخالف المذكور -: إن جازت التقية للأئمة وحالهم في العصمة ما يدعون جازت على الرسول، فالفرق بين الأمرين واضح لأن الرسول (صلى الله عليه وآله) مبتدئ بالشرع ومفتتح لتعريف الأحكام التي لا تعرف إلا من جهته وبيانه، فلو جازت عليه التقية لأخل ذلك بإزاحة علة المكلفين، ولفقدوا الطريق إلى معرفة مصالحهم الشرعية، وقد بينا أنها لا تعرف إلا من جهته، والإمام بخلاف هذا الحكم لأنه مفيد (2) للشرائع التي قد علمت من غير جهته، وليس يقف العلم بها والحق فيها على قوله دون غيره، فمن اتقى في بعض الأحكام بسبب يوجب ذلك لم يخل تقيته بمعرفة الحق وإمكان الوصول إليه، والإمام والرسول استويا في العصمة فليس يجب أن يستويا في جواز التقية للفرق الذي ذكرناه، لا ان الإمام لم تجز التقية عليه لأجل العصمة، وليس للعصمة تأثير في جواز التقية ولا نفي جوازها.
فإن قيل: أليس من قولكم أن الإمام حجة في الشرائع، وقد يجوز عندكم أن ينتهي الأمر إلى أن يكون الحق لا يعرف إلا من جهته وبقوله، بأن يعرض الناقلون عن النقل فلا يرد إلا من جهة من يقوم الحجة بقوله، وهذا يوجب مساواة الإمام للرسول فيما فرقتم بينهما فيه؟
قلنا: إذا كانت الحال في الإمام ما صورتموه، وتعينت الحجة في قوله فإن التقية لا تجوز عليه كما لا تجوز على النبي (صلى الله عليه وآله).
فإن قيل: فلو قدرنا ان النبي قد بين جميع الشرائع والأحكام التي يلزمه بيانها حتى لم تبق شبهة في ذلك ولا ريب، لكان يجوز عليه والحال هذه التقية في بعض الأحكام.
قلنا: ليس نمنع عند قوة أسباب الخوف الموجبة للتقية أن يتقي إذا لم تكن التقية مخلة بالوصول إلى الحق ولا منفرة عنه.